العثور على لا أحد

05 أكتوبر 2014
من "لا أحد منهما" لـ كيتي ميتشيل
+ الخط -

في أيام خريفية كهذه، أواخر أيلول/ سبتمبر 1976، التقى الموسيقي بالكاتب على "مسرح شيلر" في برلين. تعثر فيلدمان شبه الأعمى قبل أن يتمكّن بيكيت من مدّ يد المساعدة.

وعلى المسرح نفسه، في حزيران/ يونيو الماضي، قدّمت المخرجة البريطانية كيتي ميتشيل عملاً مسرحياً جمعت فيه بين أوبرا "لا أحد منهما" لفيلدمان وعمل "وقع الأقدام" لبيكيت. قالت إنهما عملان عظيمان عن اليأس.

كان فيلدمان قد روى أن صبياً اقتاده من ضوء النهار إلى مسرح معتم في برلين، حيث تم تقديمه لرجل "غير مرئي" قيل له إنه صامويل بيكيت.

بالكاد كان الموسيقي الأميركي الذي يرتدي نظارات "قعر الفنجان" يتلمّس طريقه مستخدماً الصبي كعصاة، ولكنه استطاع أن يمسك شيئاً، فتصافحت يد فيلدمان مع إبهام بيكيت قبل أن يتعثر ويسقط على درجات المسرح. الموقف يصفه الرجل في إحدى المقابلات معه، ويعيد رواية الحادثة جيمس نولسون في كتابه الشهير عن سيرة بيكت.

وإن كان اللقاء الأول محرجاً بالنسبة إلى فيلدمان، ولم ينس أبداً أنه سقط أمام بيكيت على الخشبة، فليست دعوة الغداء الموجهة منه إلى الكاتب بأقل إحراجاً، فقد طلب فيلدمان من "سام" أن يكتب له أوبرا!

لم يضع هذا شيئاً من الغداء في فمه، اكتفى بشرب الجعة، ربما ليتمكن من رفض العرض دون أن يضع مضيفه في موقف محرج ثانٍ، إلى جانب السقوط على المسرح، لكنه تكلّم أخيراً: "مستر فيلدمان أنا لا أحب الأوبرا. في الحقيقة لا أحب أن توضع لكلماتي أي موسيقى".

على هذه النقطة، كان الاثنان متّفقين فعلاً، فإذا كان بيكيت يكره الكلمات الملحّنة، فإن فيلدمان لم يكن يطيق للكلام وجوداً في مقطوعاته. لكن يبدو أن الأمر يختلف بالنسبة إليه، إن كانت هذه الكلمات من صنيع بيكيت.

سيطول الحديث بين الاثنين ويتشعب كما بات معروفاً، حتى يصل إلى لحظة يقول بيكيت فيها: "لديّ لازمة واحدة في حياتي".. هنا ينتهي لقاؤهما بوعد مهذّب بالمحاولة.

قبل أن يغادر بيكيت برلين سيرسل بطاقة لفيلدمان مكتوب على ظهرها المقطع معدلاً ومعنوناً بـ "لا أحد منهما": "ذهاباً وإياباً في الظل، من الظل الخارجي إلى الظل الداخلي. ذهاباً وإياباً من الذات المستعصية إلى اللاذات المستعصية، من خلال لا أحد منهما".

جاء هذا المقطع البيكيتي الصغير بالتزامن مع عروض مسرحيته "وقع الأقدام" التي حضرها فيلدمان. بالكاد يستطيع أي قارئ/مستمع تجاهل وقع الأقدام جيئة وذهاباً التي تتمشى في الظلّ المرعب للموسيقى والنص، حيث التفتيش عن ذات أو اللاذات ينتهي بالعثور على "لا أحد".

دلالات
المساهمون