صدر كتاب "الماركسية والأدب" للناقد البريطاني رايموند هنري ويليامز (1921 - 1988)، أوّل مرّة قبل أكثر من أربعين عاماً، وسرعان ما أصبح أكثر كتب أستاذ الدراما في "جامعة كامبريدج" تداولاً؛ حيث تُرجم إلى عدة لغات وصدر في طبعات مختلفة.
ورغم شهرته، لم يُنقل الكتاب إلى العربية إلّا مؤخّراً؛ حيث صدر حديثاً عن داري "ابن النديم" و"الروافد الثقافية" بترجمة لعهود المخيني. لكن العمل ليس أوّل كتب ويليامز التي تترجَم إلى العربية؛ إذ تُرجم كتاباه "طرائق الحداثة" و"الكلمات المفاتيح: معجم ثقافي ومجتمعي" في السبعينيات.
في "الماركسية والأدب"، يناقش المنظّر المعروف بتأثيره داخل مدارس الفكر اليساري الجديد نظريته في المادية الثقافية التي مهّدت الطريق لنهج جديد تماماً للمبادئ الماركسية والنقد الماركسي للفنون والثقافة. وظهر العمل في فترة شهدت الكثير من مشاريع إعادة قراءة الأفكار الماركسية ممّا أكسبه أهمية مضاعفة، فقدم نظريته محلّلاً المساهمات السابقة لنظرية الأدب الماركسية؛ من بينها مساهمات ألتوسير وغولدمان ولوكاتش.
عزم ويليامز في أطروحة العمل على مراجعة المبادئ الماركسية القديمة، وما يعتقد أنه مشكلة جوهرية في النظرية الأدبية، حيث يقترح بدلاً منها نظرية المادية الثقافية لحل إشكالياتها. ويعتقد المؤلّف أن المادية الثقافية جوهرية لكلّ التفكير الماركسي، وأنه من خلال الجمع بين النظريات الماركسية للغة والنظريات الماركسية في الأدب، يمكن إعادة تصوُّر الماركسية، من خلال مناقشة أجزائها الثلاثة: المفاهيم والنظرية الثقافية والنقد الأدبي.
يناقش صاحب "ما جئت لأقوله" المبادئ العريضة للثقافة والمجتمع والاقتصاد، ويوضّح أن التعريف الكامل "للثقافة" يمر بتحوّل نموذجي، وأن الثقافة تتساوى الآن مع الحضارة التي يتم بناؤها حول تحسين التقدم والاحتفاء بـ"النظام" الجديد المزعوم الذي يتمحور حول الاقتصاد، وبالتالي فإن أي شيء لا يُساهم في ذلك التقدّم الاقتصادي ليس له قيمة.
وفي حين يرى الكاتب أن الماركسية لم تقدّم الكثير في فهم اللغة، فإنه يجد أن الأدب هو الاستخدام الأكثر تحديداً للغة التي يهتم بها، ويوضّح كيف تغيَّر معنى الأدب والغرض منه وقيمته بعد الرأسمالية. من هنا، في رأيه، يجب على الماركسية إعادة النظر في نظرياتها الأدبية. كما يشدّد على أنه يجب مراجعة النظريات الماركسية حول الأيديولوجيا، لأن مصطلح "الأيديولوجيا" أصبح "جذّاباً" لأي تفكير ليس ماركسياً. ويبحث الكاتب أيضاً في النظرية الأدبية، ويراجع مفاهيم الأدب والمثالية، ويحاول إعادة تعريف "الحتمية" و"الهيمنة".
يُذكر أن رايموند ويليامز كاتب غزير جداً، فإلى جانب العشرات من دراساته الأدبية والثقافية، ومن أبرزها "الثورة الطويلة"، و"الثقافة والمجتمع"، و"التراجيديا الحديثة"، أصدر أيضاً سبع روايات وستّ مجموعات قصصية وثلاث مسرحيات.