تتعدّد مؤخراً الدراسات التي تتوجّه إلى تاريخ تونس الحديث ما قبل الاستقلال ضمن أكثر من زاوية ومنظور، حيث أن الاهتمام بها بعد الاحتجاجات الشعبية عام 2011 يبرز كمحاولة كإعادة قراءة المرحلة التي حاول نظام بورقيبة طمسها من جهة، ولفهم مسائل أخرى تتصل بالعوامل التي قادت إلى الاستعمار الفرنسي للبلاد، أو طبيعة الحكم في زمن الإيالة.
في هذا السياق، يقام حفل إطلاق كتاب "العثمانيون في تونس: 1505 - 1957 التاريخ، الآثار، السكّان، وسلوكاتهم" الذي صدر مؤخراً للباحث محمد صالح بن مصطفى عن "دار نقوش عربية"، عند الرابعة من عصر الجمعة المقبل، الرابع عشر من الشهر الجاري، في "مكتبة الكتاب" في تونس العاصمة.
يشير المؤلّف في مقابلة إذاعية سابقة، إلى أن "كتابه ليس موجهاً إلى المتخصّصين بل إلى جميع الشرائح والفئات، ونبعت الرغبة في تأليفه بعد تدريسه للتاريخ في الجامعة التونسية لأكثر من أربعة عقود، حيث كان يُوجّه إليه السؤال دائماً عن أحداث وشخصيات تنتمي إلى هذا العصر، لكنها مفقودة في المناهج الدراسية وفي الثقافة العامة".
ويتطرّق بن مصطفى إلى الصراع التركي الإسباني على البحر الأبيض المتوسط خلال القرن السادس عشر، وكان جزء منه قد دار على أرض تونس وسواحلها وانتهى بانتصار العثمانيين حيث أصبحت إيالة (ولاية) من ولايات الدولة العثمانية منذ عام 1574.
كما يوضّح أن النظرة إلى سيطرة العثمانيين على تونس مركّبة ومتشعّبة، خاصة بين وجهتي نظر متضادتين ترى الأولى أنهم كانوا احتلالاً، بينما الثانية تفخر وتعتزّ بدورهم، لذلك يحاول في كتابه إيراد الإيجابيات والسلبيات في تلك الفترة، حيث يلفت إلى أن التونسيين أُقصوا عن الحكم والإدارة والقضاء وجرى التمييز ضدهم.
من جهة ثانية، يبيّن بن مصطفى أنه بفضل الدولة الحسينية قام مجتمع تونسي متماسك خلافاً لبلدان الجوار الذي أقيم فيها حكم أكثر صرامة وقسوة وظلّ غير متقبّل لدى الناس فتمنى جزء كبير منهم التخلّص من جورهم.
يفنّد المؤلّف أيضاً الكثير من الأمور التي اتهم بها العثمانيون مثل الانغلاق والتعصب الديني، موضحاً أن العديد من الشواهد تنفي تلك النظرة، إلى جانب تطويرهم للصحافة والتعليم وقطاعات أخرى من الإدارة في فترات مختلفة.