محمد الطالبي.. في متاهة الميديا

07 ابريل 2015
+ الخط -

يقع محمد الطالبي (1921) بين شهرتين؛ الأولى مُضيّقة في نطاقها الأكاديمي، والثانية مُوسّعة لدى الرأي العام التونسي، الذي تعرّف عليه عبر مجموعة من الضجّات الإعلامية. وفي كل مرة تنفلت الانتقادات حوله أو حملات التمجيد.

يعترف كل من يريد أن يتناول أفكار الطالبي بصعوبة تصنيفه، خصوصاً حين لا تسمح دوائر الضوء المسلّطة عليه سوى بمعرفة مواقفه الظرفية. فنفس الرجل الذي يدعو إلى قراءة متحرّرة للقرآن ويقول، بصفة مستفزة للبعض، "ديني الحرية"، يقف أمام تيار ما سمّاه "الانسلاخسلاميون" معبّراً عن فئة من المفكرين الذين انسلخوا عن الإسلام من دون أن يعلنوا ذلك.

ما راكمه الطالبي بسبب هذه المواقف هو الخصومات. وإنّ تلاعب الأضواء الإعلامية به، جعله أنموذجاً لنخبة أكاديمية تتحرّك في أطر نقاشاتها ومشاحناتها، فلا يخرج منها إلا ما يصادف تجاذباً سياسياً أو فكرياً يمكن استهلاكه إعلامياً، ما يصنع صورة مشوّشة وانفعالية عنها.

الطالبي من منظور أكاديمي بحت هو مؤرخ، لكن انشغاله الرئيسي انصبّ على المسألة الدينية. التاريخ والدين يتقاطعان في كتابه الرئيس "الدولة الأغلبية" (1966) والذي يعدّ، إلى اليوم، المرجع الأساسي لدارسي هذه المرحلة.

وبفضل "التاريخ"، أصبح الطالبي سلطة أكاديمية في تونس. في بلاد فُرضت عليها علمانية راديكالية لعقود، فكان أحد رموزها. وبعد ذلك، ولاعتبارات التراكم الفكري والسن، أُريدَ لهُ أن يوضع في موقع مصحّح (وهو دور الأستاذ) لكل حركة تنفسية فكرية في البلاد.

في هذا البعد الأكاديمي، كان الطالبي خرّيج المدرسة الفرنسية بامتياز، حتى إن قارئي أعماله التاريخية يتحسّسون من فهمه الاستشراقي للتراث الإسلامي، ولولا بعض الاختلافات عن مشاريع روبار برونشفيك أو ليفي بروفنسال (أساتذته في السوربون في الأربعينيات) لقيل بأنه قدّم فهماً استعمارياً للتاريخ الأهلي.

أصرّ الطالبي على الخروج من هذه النظرة له - لكن بعيداً عن التاريخ - عبر قراءة جديدة للدّين، هجر فيها الرؤية الاستشراقية وهاجمها، مع اتخاذ موقف حادّ من الشريعة بما هي منجز إنساني بحت يُضيِّق على التطوّر. نصّبه هذا الموقف "رأس العلمانية" في تونس، وبالتالي أصبح عنصراً مهيأً بقوة للتوظيف.

الطالبي اليوم، ليس مشروعَه الفكري، وإنما موقعه في صراع النخب التونسية، حتى إن بعده التاريخي وانشغاله بالمسألة الدينية ينطمس لحساب مواقف سياسية. لقد أخذ مكاناً في الخطوط الأمامية للمعارك، غير أن المعارك لا تدوم، إذ سرعان ما تنحسر الأضواء عنه ما إن يعود إلى اختصاصاته.

المساهمون