شيء غريب جدّاً يحدث هذا العام

11 أكتوبر 2018
خوان ميرو/ إسبانيا
+ الخط -

الذي يعمل مع كلمات مثلك، لا يحقُّ له الطمع إلا في الضروريات.

أعرفُ: تابعتَ وأنت تعاني.

أعرفُ: كما هو الحال نادراً: مع الشمعة في يدك، والدياغونال ممتلئ.

ذلك أنه ليس لديك أيُّ فكرة عمّا سيحدث. أنت تعرف فقط أنك تحب هذه الطريقة في العمل: على الشعر لا يوجد شعار.

لا تريد أن تكون عبثياً أو بارداً أو أي شيء. كل ما في الأمر أنك تعتقد أن الأغنية ذات القيمة لا يستطيع كثير من الناس تحمّلها.

أعرف: هذه المرة، لديك شخصية رومانسية وحنين ماركسي.

ولعل ما فاقم من هذا أنك تلقّيت هدية في آخر لحظة: عصفور يعبر الشرفة.

عصفور، من بداية الحياة الاجتماعية الصيفية في كوستا برافا، إلى أول الخريف: عصفور أزرق مرسل من جنّات عدن بعيدة.

كلّا، ليست البداية ولا النهاية، أن تسمع الخوار الرأسمالي وهو يسيطر على الأرض.

إن السيطرة على الأرض ليست ممّا وراء ما تختار الأغنية. بالرغم من وجود التراكيب، بما في ذلك الألم من عيار ثقيل.

لا، بصرف النظر عن المعرفة، هناك فهم أساسي للأشياء، عنصر من التعاطف، علاقة لا علاقة لها بالعقل. أنت تحب ذلك بلا حدود.

أمّا إذا كنتَ مهتماً بذاك الموضوع، فأوصيك أن تنعس قبل أن تقرأه.

ففي العصور الوسطى، عاشت النساء مرعوبات بسبب جنسانية ذكورية، غالباً ما كانت لها علاقة بالاغتصاب، حتى داخل الزواج.

هكذا.

وهكذا كذلك أن كل تلك الاختراعات العظيمة في القرن العشرين، لم تؤدّ إلى أي شيء شاعري.

الحب؟ من يعلم؟ الله، المرأة؟ لكن ليس كهدف للغزو أو للعبودية.

فالله والحب حرّان ـ هكذا تفهم وتحس.

الشيء المتعالي؟

ليس الله إلا نادراً.

هو كل أرضيّ يفتح لك تجربة البصيرة.

لكن في الوقت نفسه، ها أنت تحاول تطوير حقل خاص بك، بحثك الخاص: حقل الأسى. لم يؤثّر ذلك أبداً سلباً على أن تكون ابن الزمن.

شاعرٌ عرضَ الكاريزما التي يتمتّع بها، وذخيرته من الزيارات، والبوب، والسترات الفضفاضة.
في أدائه ليلة الجمعة الماضية،

ثمّة طبقة من الرومانسية العطرية اشتمّتها لهجاتٌ غريبة مشمولة داخل اخضرار سيوتاديا.
حدائق. حدائق.

صحيح أن الالتزام بالمواعيد ليس واحداً من تلك الفضائل لدى الكتالانيين، بيد أن ثمّة حفلات لا تُؤخَذ على محمل الجد: تحاول.

رغم أنك محاط بابتذال عصر ـ الأناقة والمنفاخ.

تباً لكم: النفوذ الإلهي أم العقل؟

تباً له من منفى رمادي. فما هو المفتاح الغريب الذي يضغط به عليك؟

تريد، اللحظة، وغداً، أسئلة، لا إجابات.

وليس، أبداً، من خلال الفلسفة، بل من خلال الفن.

إنها فكرة الحياة كممارسة، وليس كقراءة. هي فكرة حديثة جداً، عندك. نعم، لكن الأمر لا يتعلّق بالذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية، أيضاً.

هو العناية بالداخل الخاص بك. انظر في نفسك، لترى قلّة الانتباه بنفسك. مع الموت كنقطة ذروة، ومعرفة كيفية أن يُقلع الواحد بهدوء.

شيء غريب جدّاً يحدث هذا العام: لا يحدث شيء.

جولات برشلونية تنتهي مع انتصار أحدهم بعناق أنثوي.

رسالة هذه المغامرة لها علاقة بالحاجة إلى استبدال الكراهية بالحب على أساس الاعتراف بالآخر من خلال الكَلِم.

هل هو درس في الإنسانية، إذن؟ عليك أن تسأل دون تشويه. لكن هذا الانصهار للآفاق يحدث بالفعل: نقطة اتصال بين ضفّتَين.

في أسطورة تريستان، الحب هو أن تموت. علاقة الحب والموت هذه تؤذيك إلى اليوم.
فالحب، حياة محض، عند اللاتينيين أولاً، الإسبان ثانياً، والبرتغاليين ثالثاً. مزاج شبه القارة الإيبيرية، خليط من المتوسّط وأفريقيا.

هل تنسى ليلَ أمس وأنت تجول على الشاطئ؟

تجمّعَ فريق من اللاتينيين، وبدأوا يرقصون الرمبا والتانغو، فينضم إليهم عابرو وعابرات الرصيف البحري.

تلك الفتاة العربية التي كانت على الدرّاجة المأجورة مع أمّها وأختها بحجاب، نزلت، عارية الرأس ورقصت مع شاب لاتيني الرمبا.

أنت انبسطت وتذكّرت صديقك خالد، شاعر الصفاء النادر، في زيارته الأخيرة، قبل شهر، لقضاء إجازة الصيف، هنا.

كان ليل، ومررتما من بلاسا كتالونيا، باتجاه بيته القريب من قصر الموسيقى.

سمع خالد موسيقى راقصة، وشرع في الرقص وسط العابرين.

لكم أبهجك أن ترى الشاعر المُعاني من نوبات كآبة، يندمج ويؤدّي رقصة فرح وجيزة.

فالرقص، هو ثاني لحظتَي الجسد الكبريين: الأولى لحظة العرس الإيروتيكي، والثانية هي فن.
يحقّق الجسد الفاني فيهما ذروة خلوده وذروة الفن معاً.

المحبة لك يا خالد في المغترب الأمستردامي.

ولك أنت أيضاً يا نجوان الثمين.

وقد تألقتَ بقراءتك في قصر الموسيقى، فرفعت رأس الشعر، قبل أن ترفع رأس البلاد.

حقيقة يا ولد، أن الحياة لا تستحق أن تحمّلها كثيراً.

حقيقة أنها تستحق أن تُعاش، رغم كل شيء.

ولماذا؟

لأنه ما من أخرى بديلة، لا عاجلاً ولا آجلاً، ولا في ما بينهما.

المساهمون