جوزيف كيسيل..صورة لسورية في العشرينيات

17 مايو 2020
صورة قديمة لدمشق
+ الخط -

في عام 1927، أصدر الكاتب والصحافي الفرنسي جوزيف كيسيل (1889-1970)، كتاباً بعنوان "في سوريا"، طرح فيه هذا السؤال "من يفسر لماذا نُقتل ومن يقتل؟ في الحقيقة، إذا كان من عذر لافتقاد المعلومة، فبوسعنا البحث عنها ضمن التعقيد المرعب الذي يسود سوريا".

عن دار"خطوط" الأردنية، صدر الكتاب بنسخة عربية بترجمة الكاتب المغربي سعيد بوخليط، والذي يعلق على هذه العبارة في المقدمة ويقول: "هذه الجملة المكثفة والمركزة جداً، قدر استشرافها البعيد المدى، انطوت عليها إحدى فقرات كتاب كيسيل، الذي يعود تاريخه إلى أواسط سنوات العشرينات. المفارقة المدهشة، رغم قدم المسافة بعقود طويلة، فبالتأكيد، عبارة لازالت تنطبق حتى اليوم، ربما تمام الانطباق، بدون مبالغة، على ما تعانيه سوريا: تبلور أعتى مستويات اللا-معقولية، التي يعجز أي ذهن بشري عن تمثلها. إذن لما تعاني سوريا ما تكابده؟ لماذا يقتل الناس هناك؟ من القاتل؟ ثم أساساً وقبل كل شيء ما دواعي ومبررات القتل؟ حتما، العبقري كيسيل استبق غفلتنا جميعاً".

في كتبه المختلفة يروي كيسيل القصص بقوة ومتعة، وفي وصفه تتدفق المناظر الطبيعية والناس على اختلافاتهم، وينفرد عن كثير من كتّاب الرحلات الفرنسيين في عصره بشكل خاص، بفضوله وتقديره للثقافات الأخرى، وبعد مرور ما يقرب من قرن على كتابه هذا، لا يزال مقروءاً من دون أن نلمس فيه نفس الاستشراق المعتادة في مثل هذه الكتابات، ولا يعتقد كيسيل أن الغرب يحمل كل الإجابات أو أن حضارته متفوقة على الحضارة التي يزورها.

كتب كيسيل الكثير من الروايات وكان أشهرها رواية "الأسد" التي كانت أهم أعماله الأدبية، وكتاب "في سوريا" ليس إلا كتيباً بين مجموعة كبيرة من إصداراته، ويتناول فيه رحلته إلى سورية؛ عن ذلك يقول بوخليط في مقدمة الترجمة "إنه عمل تجاوز مستوى الانطباعات والارتسامات الشخصية، المنقادة وراء التقاط محايد لمتواليات رحلة عادية، مرتقياً حقيقة غاية التقييم الموضوعي الحاذق لجوانب من سياق المرحلة، المعروفة تاريخياً بالانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان (1920-1946)، وما انطوى عليه من منزلقات سياسية وجغرافية وثقافية وإثنية وعسكرية، استمرت وامتدت تراكماتها البنيوية حتى الزمن الراهن".

يروي الكاتب عن رحلته "أعشق الشرق، هو ليس بعذري الوحيد للرغبة في التكلم عنه، لأني لا أعرفه جيدا. إننا لا نذهب إليه، وينبغي أن يأتي إليكم، مما يقتضي وقتاً. والحال، أني قضيت خلال مرتين، ما بين ثلاثة إلى أربعة أسابيع في سوريا. هذا، كل شيء. ثم، ابتغيت أن أعيش التجربة صحفياً، بمعنى قضاء أغلب يومياتي مع جنرالات وموظفين كبار".

ويضيف "سوريا؟ ماذا نعرف عنها؟ لنعترف بالأمر دون كبرياء مزيف. فقط بعض الوقائع التاريخية المبهمة، حول الحروب الصليبية ثم بعض الصفحات الشهيرة، والأسماء الجميلة لدمشق وتدمر والفرات. ذاك، كل زادي بالنسبة لبلد كبير وخصب، يعيش تحت الانتداب الفرنسي".

ويكمل قائلاً: "لكن، من يبيّن أهمية هذا الانتداب؟ ثم بوسعه أن يرسم- اللهم إلا مختصين قليلين- المظهر السياسي لهذا البلد؟ من يفسر لماذا نُقتل ومن يقتل؟ في الحقيقة، إذا كان من عذر لافتقاد المعلومة، فبوسعنا البحث عنها ضمن التعقيد المرعب الذي يسود سوريا".

المساهمون