"ثمة عقود تمرّ من دون أن يحدث شيء، وهناك أسابيع تحدث فيها عقود"، لعل العبارة المتداولة عن لينين تنطبق على السنوات الثلاث الأخيرة في حياة بريطانيا، منذ أن صوّتت البلاد على الخروج من "الاتحاد الأوروبي" في 23 يونيو/ حزيران 2016.
كانت مجموعة من الأكاديميين الأوروبيين اقترحت عام 1989، بعد نهاية الحرب الباردة، تدريس مساق جامعي بعنوان "أوروبا منذ الأربعاء الماضي"، يسعى إلى رؤية التاريخ بالمقلوب، وكيف سيكون مستقبل القارة العجوز، كما يقول ديفيد إيه بيل أستاذ التاريخ في "جامعة برنستون" في إحدى مقالاته المنشورة في "فورين أفيرز"، والذي يرى أيضاً أن الأمر ينطبق على أوروبا اليوم، لا سيما بعد عامين من نهاية لحظة بريكسيت وتعثر اكتمالها، وتحولها فعلياً إلى كابوس تيريزا ماي الطويل.
هذه اللحظة لم تغب بالطبع عن فناني بريطانيا، ففي 2016، قام الفنانان جون تومسون وأليسون كرايغهيد، بتنفيذ عمل فني يتكون من زجاجة عطر أطلقا عليها اسم "أبوكاليبس"، واستلهما فكرتها من إنجيل الملك جيمس. قُدّم العمل للجمهور في الوقت المناسب، فقد قامت قيامة بريطانيا بعد استفتاء بريكسيت، الذي يُعتبر اليوم حدثاً تاريخياً حطّم الطريقة التي تصور بها الكثيرون مستقبل "المملكة المتحدة"، وبدا كأن النظام السياسي قد أهدى الشعب عطراً هو في الحقيقة إعلان لنهاية العالم كما كان يعرفه.
وحول سياسة استدعاء فكرة "القيامة" و"نهاية العالم" باعتبارها استعارة لوصف عملية خروج بريطانيا من "الاتحاد الأوروبي"، يحاضر الفنانان في معهد "كورتولد للفنون" بلندن عند السادسة والنصف من مساء الخميس المقبل، إذ تنظر المحاضرة إلى الكيفية التي جسّد بها فنانون منذ 2016 القلق وحالة الاضطراب والفزع وغياب اليقين التي تسم اللحظة الحالية في تاريخ البلاد، ومن أبرز هؤلاء جو سويني، وجون سبرينغ، ومايكل لاندي، والبولندي ميكيل إيوانوفسكي.
في الحقيقة، لم تقتصر اللغة التراجيدية والتهويل على الفن في حالة بريكسيت، بل إن مفردات "نهاية العالم" ما لبثت أن أصبحت حاضرة بشكل متزايد عند تصور الحياة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي... سنجدها في الصحافة والخطابات السياسية والرسوم الكاريكاتورية، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتأكيد في الفنون البصرية التي تناولت المسألة.
من ذلك إطلاق تسمية "خطة الأبوكاليبس" على مشروع ماي لتنفيذ بريكسيت، وزاد من طرافة الأمر الكشف عن خطة حكومية في يوليو/ تموز 2018 تقول بضرورة تأمين مخزون من المواد الغذائية في حال انتهت عملية خروج بريطانيا من الاتحاد، وارتفعت وتيرة السخرية من الخطة في عناوين مثل "قولوا وداعاً للشاي والدواء" أو "مرحباً بأطنان الدجاج المجمد".
ليس هذا فقط، بل ظهرت أغانٍ سياسية تناهض بريكسيت، وأعمال فنية وفوتوغرافية وتجهيزات اعتمدت فكرة التراجيديا الكبرى، وعادت إلى أعمال قيامية في تاريخ الفن مثل أعمال هيرونوموس بوش وغيرها.