الثقافة: تخبّط الدولة العميقة بعد 25 يناير

25 يناير 2018
محمد عبلة/ مصر
+ الخط -
في إحدى مقابلاته الصحافية، قال وزير الثقافة المصري الأسبق فاروق حسني الذي تولّى حقيبته لأكثر من أربعة وعشرين عاماً، "لم أكن مجرّد وزير في مجالي، بل كنت أنا الدولة"؛ مقولة ليست مجافية للواقع إذ شهد عهده أكبر الكوارث الثقافية في تاريخ مصر، لكنه لم يكن ليتزحزح عن كرسيه لو لم تقع ثورة 25 يناير.

الوزير الفنان لم يحاسب على حريق قصر ثقافة بني سويف عام 2005 أو حريق "المسرح القومي" عام 2008، وسرقة المتحف الإسلامي والمتحف المصري ودار الكتب، ووقوع أكبر حوادث نهب للآثار وتهريبها إلى الخارج، ناهيك عن إجرائه حواراً مع جريدة إسرائيلية عام 2008، وهي السابقة التي لم يفعلها وزير ثقافة من قبل.

تهمة التطبيع تلك انبرى حينها كثيرون لإنكارها، وعلى رأسهم الناقد جابر عصفور الذي كان من أبرز معاوني حسني وتسلّم بعده حقيبة الثقافة، لكنه لم يستطع بدوره أن يصمد أمام تهم أقل شأناً من قبيل دفاعه عن "علمانية" النظام، وحتى حين عاد وزيراً للمرة الثانية بدا فاقداً للسلطة التي تمتّع بها يوم كان أميناً عاماً لـ "المجلس الأعلى للثقافة" لسنين طويلة.

تحضر هذه الخلفية للتدليل على المفارقة التي لا تزال ماثلة منذ عام 2011، حيث تعاقب على الوزارة ثمانية وزراء خلال الأعوام السبع الماضية، هم تباعاً: جابر عصفور (تولاها مرتين)، ومحمد عبد المنعم الصاوي، وعماد أبو غازي، وشاكر عبد الحميد، ومحمد صابر أبو عرب (تولاها مرتين)، وعلاء عبد العزيز، وحلمي النمنم، وإيناس عبد الدايم.

المتابعون لشؤون "الثقافة" بعد أن تولّتها مؤخّراً عبد الدايم، يعرفون حجم الأزمة التي تعيشها الوزارة، والتي هي في أبرز تجلياتها انعكاس لأزمة النظام نفسه، حيث أخفق الوزير السابق النمنم في أبسط المهام التي يفترض أنها مسائل إجرائية بحسب وسائل إعلام محلية، سواء في تنظيم معظم المهرجانات التي اعترضها مشاكل عديدة، وفشله في إدارة ملف ترشح "القاهرة عاصمة للكتاب العالمي 2019"، وتجميد معظم الأنشطة والفعاليات.

الدولة العميقة التي استعادت السيطرة بشكل مباشر على السلطة منذ تموز/ يوليو 2013، لم تستطع أن تدير وزارة كانت تعتبر في ما سبق الواجهة التي تزّين النظام وتمنحه حضوره كـ "دولة مدنية عصرية" بل إنه كان ناجحاً إلى حد كبير في إقناع العالم أن الثقافة لديه يقودها "متنوّرون" و"حداثويون" في الفكر والفن من خلال قدرتهم على تنظيم المؤتمرات والمهرجانات والجوائز العربية والدولية.

لم يكن لدى المؤسسة الرسمية مشروع ثقافي منذ السبعينيات، على غرار ما حملته مصر الخديوية التي سعت إلى أن تنافس أوروبا أو مصر الناصرية التي أرادت تمثيل العرب، لكنها لم تصل حد الانكشاف السياسي والتراجع الاقتصادي والتدهور القيمي كما حدث مع السلطة اليوم فأصبحت عبئاً على الثقافة، وغدت الثقافة مقتلها الذي يعرّي ضعفها وهشاشتها وممارساتها التسلطية.

استطاعت السلطة قبل ثورة يناير أن تبقي وزارة الثقافة بعهدة فاروق حسني الذي ارتكب أخطاء فادحة زمناً طويلاً، واليوم تفشل في ذلك رغم أن من يتلقّدها تلامذته الذين قد يتفوّفون عليه في الإدارة، ذلك لأن أستاذهم لم يكن مضطّراً للدفاع عن شرعية الحكم، وعن تسخيره كلّ مؤسساتها لمواجهة "الإرهاب"، وتحميل الجيش مسؤوليات لا صلة له بها، وفوق كلّ ذلك تلميع صورة الزعيم الأوحد الذي لا يقبل منافسين له.

قبل 25 يناير ليس كما بعده، كانت الدولة العميقة تتجمّل بـ"الثقافة" بينما هي اليوم تريدها مجرّد جهاز تعبئة وتحشيد لا فوارق إبداعية وحتى شخصية بين جميع الذين يتناوبون على تمثيله.

دلالات
المساهمون