محمد علي.. أن تختار من تكون

05 يونيو 2016
(مع المصوّر التونسي بشير المنوبي)
+ الخط -

كرياضيين آخرين مثل مارادونا (كرة القدم) أو كاسباروف (الشطرنج)، عاش الملاكم الأميركي محمد علي الذي رحل أمس عن عالمنا كإحدى أيقونات الثقافة الشعبية في العالم، ولقد تجاوز حضوره الحلبة إلى عناوين الكتب والأفلام، كما تداخلت سيرته بتواريخ السياسة والنضال الاجتماعي، ما شحنه برمزيات قلما اجتمعت لغيره في المخيلة الجماعية العالمية.

حضور محمد علي كان مضاعفاً في البلاد العربية، فقد جعلت منه أجيال متعاقبة بطلاً مُلهماً، ليس فقط بسبب إعلان إسلامه، بل لـ"العظمة" التي منحها لانتصاراته الرياضية، ولوقوفه دائماً حيث ينبغي أن يقف من القضايا العادلة.

أولى هذه القضايا العادلة هي قضيته الشخصية، وبلوغ ما يستحقه من مجد شخصي، حيث مرّ "تحقيق الذات" بمسار مليء بالصعوبات والتضحيات. طالما صرّح أنه كان يقول لنفسه في التدريبات "اتعب الآن وعش بطلاً بقية حياتك" وهذا ما فعله، ثم جعل من بطولاته في رياضة الملاكمة مجالاً لإسماع صوت جيل مقموع بالعنصرية الأميركية، ومن هنا تحرّك، بخفة ومرونة كما يفعل في الحلبة، ضد السياسة الخارجية الشرسة لبلاده ولم يفوّت فرصة لقول كلمة الحق. بالنسبة لكثيرين مثّل محمد علي الوجه المشرق لأميركا.

إلى جانب تحقيقه لقب بطولة العالم عام 1964 وهو في الثانية والعشرين من عمره، كان الحدث الكبير في ذلك العام هو إعلانه اعتناق الإسلام، وكذلك التخلّص من اسم الولادة (كاسيسوس كلاي جونيور). أصبحت هذه الحركة علامة تاريخية فارقة في الكفاح ضد العنصرية.

بعد سنتين خطف محمد علي الأضواء مرة أخرى من خارج الحلبة، حين رفض التجنيد والمحاربة في فيتنام، وهو قرار تسبّب له في أحكام بالسجن وسحب ألقاب عديدة منه، غير أنه ومنذ أن عاد إلى الحلبة بداية السبعينيات سيضيف سطوراً جديدة لأسطورته. هكذا ظلّ يراكم إرثاً من المواقف والتتويجات، خرج به من صورة البطل الرياضي إلى أيقونة عالمية لا أحد يستطيع أن يقمع صوتها، ومنذ ذلك الحين أُدمج بمنطق احتوائي في الصورة الأميركية العامة.

في المشهد العام، كان محمد علي مجموعة من المفارقات، فقد تحوّلت معه رياضة الملاكمة وما يرتبط بصورتها من عنف إلى "فن نبيل" بالفعل، يمتد نبله إلى قضايا المجتمع والبشرية. أيضاً، عرف عنه "نَفَس حِكَمي" نتوقعه من مفكّرين لا يستخدمون عضلاتهم، بعيدين عن ضوضاء العالم، إلا أنه كان يفعل ذلك بعفوية وهو تحت الأضواء ومن مفردات بسيطة مثل "لا عيب أن تسقط في الحلبة أو خارجها، بل العيب أن تبقى على الأرض"، لتظلّ تلك الصورة التي رسمها عن نفسه -وهو بطل العالم في الوزن الثقيل- الأقوى تعبيراً عنه "أطير مثل فراشة وألسع مثل نحلة".

دلالات
المساهمون