تعدّدت الدراسات التي تناولت تحريم الموسيقى والغناء في التاريخ الإسلامي، إذ يتوافق كثير منها على أن هذا الجدل لم يولد قبل القرن الرابع الهجري، حيث استند الحظر الفقهي على تأويل بعض الآيات القرآنية مقابل العديد من الاجتهادات التي تمسّكت بإباحة الفنون استناداً إلى شواهد من مرحلة صدر الإسلام.
"الجمال الصوتيّ: تأريخه ورؤيته الفقهيّة، مراجعة في النّص الدّينيّ حول الغناء والمعازف" عنوان الكتاب الذي صدر مؤخراً للباحث العُماني بدر بن سالم العبري عن "الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء" و"الآن ناشرون وموزعون".
يستعرض المؤلّف مراحل تطوّر الغناء تاريخياً، بدءاً بالعصور القديمة ومروراً بالعصر النبوي، ووصولاً إلى العصر الحديث، وخاصة في العالم العربي، ويأخذ بالاعتبار بروز الآلات بمختلف أشكالها منذ الحضارات البابلية والآشورية، وأنواع التطريب والإنشاد قبل الدعوة الإسلامية وبعدها، مضيئاً على تعلّق أهل المدينة بالطرب ورعاية السلطة منذ العصر الأموي لصناعة الأغاني ما شكّل نهضة موسيقية.
بدأ التقعيد لهذه الفنون، بحسب الكتاب، في العصر العباسي مع ظهور علماء وكتّاب وموسيقيون وضعوا مؤلفّاتهم مثل "الكافي في الموسيقى" لأبي منصور الحسن بن زبلة، و"كتاب الموسيقى الكبير" للفارابي، وما أضافته الفترات اللاحقة على مستوى التأليف والترجمة، وتطوير الآلات الموسيقية وفضاءاتها.
يتحدّث العبري في مبحث المصطلحات عن شِقي الفنّ والجمال، أمّا الأول فتحدّث فيه عن الجانب المعنويّ والّذي يشمل مصطلح الغناء واللّحن واللّهو، والجانب المادي والّذي يشمل الشّعر والآلات الموسيقيّة والمعازف والموسيقى.
أما بخصوص فلسفة الجمال، فقد ناقشها بداية من الجمال في القرآن الكريم، ثمّ حضور فلسفة الجمال من العصر القديم وحتى العصر الحديث، وفي هذا المبحث أتى بثلاثة عشر نموذجاً لهم رؤى فقهيّة وفلسفيّة وتحليليّة مغايرة للجمهور من القرن الخامس الهجري وحتى بداية القرن الخامس عشر الهجريّ، بداية من أبي حامد الغزاليّ وأخيه أحمد الغزالي، وقبلهم ابن حزم الأندلسيّ، مروراً بإخوان الصّفا وخلان الوفا، ومحمّد الشّاذليّ، والشّوكانيّ، ورشيد رضا، وشلتوت، وبيوض وتلميذه البكريّ، ومحمّد الغزاليّ، ومحمّد حسين فضل الله، ومحمّد عمارة، وأخيرا القرضاوي.
ينتقل الباحث بين ثمانية مدارس فقهيّة، مبيّناً أهم الأقوال الفقهيّة فيها حول الغناء والمعازف، وهي: الإباضيّة، والزّيديّة، والجعفريّة، والحنفيّة، والمالكيّة، والشّافعيّة، والحنابلة، والظّاهريّة، مناقشاً الأدلّة، بداية من القرآن الكريم، وفيه دليل واحد للمجيزين، وستة أدلّة للمانعين.
يختتم العبري كتابه ببعض التّطبيقات والجدليات حول الغناء والمعازف، حيث تحدّث عن المرأة والغناء، والغناء للأطفال في الدّمى وغيرها، والسّماع العرفانيّ، والرّقص مع الغناء، والصّفير والتّصفيق، واستخدام الموسيقى كعلاج، والتّغني بالقرآن، وموسيقى المؤثرات الصّوتيّة، والموسيقى الحربيّة، وموسيقى قاعات الانتظار، والتّكسب بالغناء، وتعلّم وقراءة كتب الغناء، وإتلاف آلات اللّهو، وألحان أهل الفسوق، وأخيراً ضوابط الغناء.