"سفراء" النوايا العالمية: مُخرجون عرب على السجادة الفرنسية

27 اغسطس 2015
+ الخط -

لعل السينما من الفنون التي تكون فيها الشهرة والنجومية قيمةً في حدّ ذاتها. وعلى هذا الأساس، قد يغيب عن أعين كثيرين الثمن الذي يُقدَّم مقابل ذلك، إذ لم يكن التميّز والإبداع دائماً وحدهما عاملَي الفرز بين سينمائي وآخر لبلوغ النجومية أو العالمية.

ينطبق هذا الطرح العام على السينمائيين العرب. وما يثير الانتباه بمرور الأعوام، هو تزايد أعداد المخرجين العرب الذين ينالون صفة العالمية، بمجّرد أن يحصلوا على تكريمات التظاهرات السينمائية الدولية.

مثّلت فترة التسعينيات بدايةً لصعود نجم العديد منهم، وكان مهرجان "كان" أهمّ منصّة لهؤلاء. نذكر المخرج اللبناني مارون البغدادي الذي نال جائزة لجنة التحكيم سنة 1991 عن فيلم "خارج الحياة".

وفي عام 1996، شارك المخرج الجزائري مرزاق علواش بفيلم "مرحبا يا ابن العمّ" وحظي باحتفاء "أسبوع المخرجين" في "كان". وبعده بعام، مُنحت "السعفة الذهبية" للمخرج المصري يوسف شاهين على مجمل مسيرته، في خمسينية المهرجان. وفي سنة 2013، عادت للمخرج التونسي عبد اللطيف كشيش عن فيلم "حياة أديل".

من دون أن ننسى الجوائز المتفرقة التي حازها من المهرجان المخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو عن فيلمه "تمبكتو" (2014)، وهو الذي حاز جائزة الثقافة الفرنسية بفضل فيلم "انتظار السعادة " في 2002.

تطول قائمة المتوّجين العرب في بقية المهرجانات الدولية. لكن يظل الدور الفرنسي هو الأكثر بروزاً في صناعة صور السينمائيين العرب، وبالتالي مشهد السينما العربية. فهل هذه العلاقة محكومة بالندية واستشعار المواهب والرؤى الجديدة في السينما، أم إنها تخضع لانتقائية ما؟

نتساءل، ونضع أمامنا المشترك بين التجارب السينمائية العربية التي تحظى بدعم فرنسي، وفيها نلاحظ تسلّل بعض الخلفيات والخيارات والتوجهات الثقافية والسياسية أيضاً، ومحاولات تكريس نمط اجتماعي بعينه.

في فرنسا، يتحكّم الجهاز الثقافي الرسمي، وحلفاؤه من المستقلّين الكثيرون، في كلّ التظاهرات. ثمة حرص على دعم المنتوجات الناطقة باللغة الفرنسية، أو تروّج لرسائل هذا الجهاز، أو تلامس توجّهاته وسياساته.

ليس من قبيل الصدفة أن يقدّم البغدادي بعض الأعمال باللغة الفرنسية قبل أن يحرز جائزة "كان". أما كشيش، فقد برز في بداياته على مستوى الإخراج، من خلال التركيز على المهاجرين العرب إلى فرنسا، قبل أن يقدّم أفلاماً ذات إمكانيات إنتاجية كبيرة مثل "فينوس السوداء" و"حياة أديل"، تطرح مواضيع غريبة تماماً عن مجتمعه العربي، وهو ما يثبت أنه أصبح أكثر فأكثر انسجاماً مع بلد التعليم، ولعلّ لفت الانتباه إليه في بلاده لم يكن ليحدث لولا التتويج بـ "السعفة الذهبية".

يمثّل علواش نموذجاً مهماً آخر. فبعد دراسة السينما في فرنسا، عاد إلى بلاده في السبعينيات حيث قدّم سينما قريبة من النظام الجزائري. ومع تقلّبات الثمانينيات، دخل مرحلة نقدية ذات طابع اجتماعي.

وحين جفّت تماماً منابع الدعم في الجزائر، عاد إلى فرنسا؛ حيث انسجمت رؤاه الجديدة للواقع والحرية مع الرؤية الفرنسية ومصالحها في الجزائر، فلاقى علواش الدعم تحت يافطة "منحه فرصة إتمام ما فشل في إنجازه في بلده الأم".

أما المخرج، يوسف شاهين، فحظي بتكريم أقرب ما يكون إلى المغازلة والاحتضان، خصوصاً وأن "السعفة الذهبية" أُسندت إليه عن مجمل أعماله، والتي تفوح منها العطور الفرنسية، وإن ظلّت منغرسة في تربة الأصل المصري، ضمن معادلة رعاية الأم الكبرى لمسيحيّي الشرق. حظي شاهين أيضاً باحتفاء سياسي، حين قال عنه الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي إنه "سينمائي مفكّر مستقلّ ومدافع عن التبادل الثقافي".

لا يتجلّى الدعم الذي نتحدّث عنه في الجانب التمويلي فقط، بل قد يتجاوزه إلى الدعم الإبداعي، ليبرز هذا الاسم أو ذاك على بقية مواطنيه والسينما التي يقدّمونها. أيضاً، ساهمت المعاهد السينمائية والورش المفتوحة في بلورة رؤى هؤلاء؛ ليعمل السينمائيون العرب، ظاهرياً، على مواضيع مختلفة، لكنها واقعياً تلتقي في المصبّ نفسه.

إضافة إلى ذلك، يحظون بدعاية في الإعلام الفرنسي؛ فليس نادراً أن تتصدّر صورهم الجرائد والمجلاّت، أو أن يُدعوا بانتظام إلى القنوات التلفزيونية. دعاية لا يجدونها في بلادهم في بداية ظهورهم، ثم سرعان ما تنتقل إليها مثل عدوى قادمة من فرنسا، ووقتها تمنح لهم مسؤوليات ثقافية رسمية، وقد يأسّسون مدارس سينمائية كالتي درسوا فيها. وبعضهم قد يجد له موقعاً كسفير النوايا الحسنة لإحدى المنظمات الحقوقية.

لا نُدين التسابق على الشهرة والنجوميّة في حد ذاته، لكن نخشى أن يكون التسابق محكوماً بالولاء والوصولية، على حساب الطابع الإبداعي المتأصّل في الثقافة الأم. ألا يحصر ذلك الإبداع على المدى البعيد في "تنفيذ المرغوب فيه" أو ما يسميه بعضهم في عالم السياسة بـ الأجندة؟

المساهمون