أدوار أخرى للمكتبات العامة في بروكسل

25 نوفمبر 2018
(من داخل "المكتبة الملكية" في بروكسل، تصوير: بونوا لابار)
+ الخط -

كان لتزايد اعتماد الكمبيوتر والألواح الرقمية أثرٌ على القراءة، فلم يعد الكتاب الورقي الجليس الوحيد المتاحَ في الوقت المخصّص للقراءة. ويبدو أن هذا المعطى الجديد، وبعد أن هدّد متاجر الكتاب، أخذ ينعكس سلباً على فضاء آخر للقراءة وهو المكتبات العامّة. وإذا كان من المتوقَّع أن تُهجَر هذه الفضاءات بسبب أوضاع القراءة المتدهورة في العالم اليوم، فإن بروكسل، ومدناً أخرى كثيرة، تبدو وكأنها تقدّم نموذجاً معاكساً لهذا التوقّع، إذ تشير إحصائيات تمتد على عشر سنوات إلى أن مرتادي المكتبات العمومية في العاصمة البلجيكية في تزايد.

إذن، ربّما علينا أن نتخلّص من الصورة التي نتخيّل فيها المكتبة فضاءً معتماً وصامتاً، رفوفه مكدّسة بالكتب والغبار. المشهد مختلف تماماً في مكتبة عمومية في بروكسل حين نرى هنا وهناك أجهزة الكمبيوتر، بعضها مخصّص للعب، إضافة طبعاً إلى قاعات للقراءة وأخرى مخصصة لورش العمل المختلفة.

في حديث إلى "العربي الجديد"، تقول ناتالي دوبري، وهي مسؤولة عن إحدى المكتبات العامة في بروكسل: "مع تراجع سوق الكتاب، وانتشار مختلف الأجهزة الإلكترونية، أصبح هناك تنافس كبير مع النشاط القديم لقراءة الكتاب الورقي. ولكي لا تصبح المكتبة مكاناً مهجوراً، كان عليها أن تتأقلم مع السياقات الجديدة".

تضيف: "وفقاً لأحدث الإحصائيات الرسمية، سجّلت المكتبات العامة زيادة بنسبة تزيد عن اثنين في المئة من نسبة الحضور خلال تسع سنوات، ليصل عدد مستخدميها (أي الذين يمتلكون بطاقة اشتراك في مكتبة عامة) إلى حوالي مليون شخص"، مشيرة، أيضاً، إلى أنه ينبغي إضافة شريحة من المواطنين الذين لا يدخلون في حساب الإحصاءات وهم ممّن يأتون إلى المكتبة بشكل عرضي أو لا يشتركون فيها، ولكنهم يستفيدون من خدماتها؛ مثل استعمال الفضاءات الرقمية والترفيهية، أو الطلبة الذين يبحثون عن مكان هادئ للدراسة.

هكذا، تتجاوز المكتبات العامة صورتها النمطية بكونها مؤسّسة تهدف إلى إعارة الكتب. وكما يقول كريستيان برتران، رئيس المكتبات الرئيسية لمدينة بروكسل، لـ"العربي الجديد"، فإن "حضور المواطنين في مكتباتنا مسألة ثابتة. ولكن، من ناحية أخرى، تختلف احتياجات المستخدمين؛ فهناك انخفاض على مستوى عادات الاستعارة، ولا يمكن أن ننظر إلى الأمر بسلبية، فمن الجيد أن يأتي الناس لحضور الأنشطة الثقافية المختلفة التي ننظّمها".

تشكّل أنشطة، مثل الدورات التكوينية على شبكة الإنترنت وحكي القصص واللقاءات مع الكتّاب، جزءاً من الخدمات الجديدة التي تسهر عليها المكتبات، وهو ما يعتبره المشرفون توسعةً في صلاحيات المكتبة.

تشير فيرونيك ليروا، مديرة خدمة القراءة في المكتبات العامة ببروكسل، إلى أن "الطفرة الإلكترونية كادت أن تضعف دور المكتبات، لذا كان التوجّه نحو البحث عن سبل مبتكرة للوصول إلى الأشخاص الذين هم أقلُّ اهتماماً بالقراءة والثقافة. هكذا، جرى تنويع الأنشطة المنظّمة وعددها، فالمطلوب ليس انتظار الجمهور بل جذبه"، مشيرة إلى أن هذا التوجُّه بدأ بشكل رسمي مع إصدار مرسوم تنظيم المكتبات المعدّل لعام 2009.

من هذا المنطلق، قد نتساءل بشكل عكسي: كيف تتفادى هذه المكتبات نسيان مهمّتها الأصلية، من توفير فضاء للقرّاءة وجمع المراجع والمصادر التي يحتاجها القرّاء؟ يجيب الكاتب جيل مارتان عن سؤال "العربي الجديد"، بالقول: "أعترف أنني أعربتُ سابقاً عن أسفي تجاه المرسوم لأنه يعطي انطباعاً بأن إعارة الكتب أصبحت مهمّة ثانوية بالمقارنة مع الأنشطة الأخرى التي تنظّمها المكتبات، لكنني أعتقد الآن بأن المكتبة مجال لمجمل الأنشطة الثقافية"."يضيف "ككاتب وناشر، أستفيد من تقديم كتبي في المكتبات العامة ويمكن بعد ذلك للحاضرين اقتناؤها أو استعارتها. المهم بالنسبة إليّ هو التوازن في أداء المكتبات لهاتين المهمّتين: الإعارة والأنشطة الثقافية".

دلالات
المساهمون