تقف هذه الزاوية، مع مبدع عربي في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه. هنا وقفة مع الروائي والباحث التونسي محمد آيت ميهوب، يقول "خرجنا من التاريخ منذ قرون، وها إننا نتشرّد داخل الجغرافيا".
■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
على المستوى العام يشغلني ما يعيشه العالم العربي اليوم من انحلال وسقوط على جميع الأصعدة. لقد خرجنا من التاريخ منذ قرون، وها إننا اليوم نتشرّد داخل الجغرافيا. أما على المستوى الفردي، فأنا مشغول دائماً بقضايا السرد العربي إبداعاً وبحثاً ومتابعة لآخر الإصدارات. وقد صرت في صراع يومي حقيقي مع الوقت حتى أنجز كل المشاريع التي أرنو إلى تحقيقها.
■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
أخر إصداراتي في البحث كتابي "الرواية السيرذاتية في الأدب العربي المعاصر"، وفي باب الترجمة صدرت لي ترجمة لرواية "ملك المشنوقين" للروائي التونسي منصور مهني، كما أعتز بصدور ترجمة كتاب "الراوي" التي أشرفت على مراجعتها. وستصدر لي عن قريب ترجمة لكتاب "الإنسان الرومنطيقي" للمفكّر الفرنسي جورج غوسدورف. كما أتهيأ لإصدار رواية ومجموعة قصصية.
■ هل أنت راض عن إنتاجك ولماذا؟
ما أبعدني عن الرضا! على العكس تماماً أشعر دائماً بأنني لم أنجز من أحلام الأديب الشاب الذي كنته إلا الشيء القليل. ومع مرور السنوات أصبحت أجد العمر ينساب سريعاً كما ينساب الماء بين الأصابع. الحمد لله أنّ جذوة نار الحلم بالكتابة ما زالت متوقدة وهذا أهم في رأيي من الرضا على الذات.
■ لو قيّض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
هو افتراض سوريالي طبعاً فنحن لا نملك القدرة على محو حياتنا والبدء كرّة أخرى. ولكن لا أظنني حتى لو أتيح لي ذلك، أغيّر الشيء الكثير من حياتي. فقد ولدت في الشمال التونسي في مدينة بنزرت التي أراها أجمل مدن العالم وعنها كتبت أغلب نصوصي، ومنذ طفولتي الباكرة قرّرت أن أكون كاتباً ودارساً للأدب العربي وقد تحقق لي ذلك. فلماذا أبيع ما اخترت وأشتري حياة شخص آخر؟
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
لا أدري هل يمكن في ظلّ هذه السيطرة المطلقة لترسانة التحكّم في الشعوب والسيطرة على مآلاتها، أن نأمل في حدوث تغيير ما في العالم؟ ولكني مع ذلك ما زلت أحلم بأن يحكم الشعراء يوماً ما كما حلم أفلاطون بأن يحكم الفلاسفة جمهوريته الفاضلة. ما زلت أحلم بعالم أقل بؤساً وأكثر عدلاً، عالم ملوّن يعلي من شأن الفنّ ويغني للحرية ويكره الحرب.
■ شخصية من الماضي تودّ لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
أتمنى ملاقاة أصدقاء كثيرين لي من القرون الخوالي جمعتني بهم محبة الأدب والإيمان بالكتابة. كم أكون سعيداً لو ألتقي يوماً بديع الزمان الهمذاني الذي أعدّه قصاصاً نابغة وأديباً فذاً استطاع أن يخرج من ثنائية الشعر والنثر ويؤسّس جنساً أدبياً جديداً كان يمكن أن يطوّر السرد العربي لو لم تسقط الحضارة العربية في عصور الانحطاط. وأمنّي النفس بلقاء بوشكين الذي جسّد بكتاباته وحياته معاً صورة الشاعر الحديث النازع إلى أن يكون هو نفسه كائناً رمزياً وقصيدة متعالية على كل شيء بما في ذلك حياة الشاعر نفسها. وليتني ألتقي كذلك بلزاك هذا الروائي العظيم الذي عرف قبل غيره أن الرواية هي فن العصور الحديثة فأخلص لها وأوقف عليها حياته.
■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
تلازمني دائماً روح صديقي محجوب العياري، الشاعر التونسي الراحل في 2010. كان كل شيء فيه ينبض شعراً وجنوناً بالكتابة، ولعل حساسيته المفرطة هي التي جعلته يرحل عنا مبكراً. ولكنه مع ذلك ما يزال حيّاً يرافقني ويطّلع على كل ما أكتب بالضبط مثلما كان يفعل ذلك وهو إلى جواري في الحياة.
■ ماذا تقرأ الآن؟
أمامي عدد هائل من الروايات في انتظار قراءتها، لكنّني أعكف الآن على قراءة كتاب ضخم بعنوان "الأمة والرواية" لباتريك بارندر وقد ترجمه عن الإنكليزية محمد عصفور. هذا الكتاب رحلة ممتعة في شعاب الرواية الإنكليزية وسهولها الخصبة. وهذه مناسبة لأشكر صديقي الناقد الأردني محمد عبيد الله على إهدائي هذا الكتاب المرجع.
■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
أسمع يومياً فيروز ومارسيل خليفة وقد عاودني هذه الأيام الشوق إلى الاستماع إلى الأغاني التونسية القديمة لا سيما أغاني صليحة، وفي الوقت نفسه رجعت أستمع إلى الموسيقى الكلاسيكية وتحديداً باخ وفيفلدي.
بطاقة: روائي وباحث ومترجم تونسي من مواليد بنزرت سنة 1968، يدرّس الأدب العربي الحديث في "كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية" بتونس، ويهتم على وجه الخصوص بالنظريات السردية وقضايا الأجناس الأدبية. من مؤلفاته "الورد والرماد" (مجموعة قصصية)، و"حروف الرمل" (رواية)، و"الرواية السيرذاتية في الأدب العربي المعاصر"، و"معجم السرديات" (بالاشتراك)، ومن ترجماته: "الأقصوصة"، "الإنسان الرومنطيقي" و"مجد الرمال" و"نهاية اللعبة".