شهدت تونس في الفترة بين سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي انتشار فرق الموسيقى الملتزمة مثل "البحث الموسيقي" و"عشّاق الوطن" و"المرحلة" والحمائم البيض" وغيرها، علاوة على عدد من التجارب الفردية ضمن نفس السياق مثل محمد بحر، والهادي قلة، والزين الصافي، والأزهر الضاوي.
بعد عقديْن من التضييق الذي جاء مع صعود زين العابدين بن علي إلى الحكم، عاد معظم هؤلاء إلى الساحة الفنية غير أن الجمهور ظلّ يطالبهم بنجاحاتهم القديمة، وهو ما شكّل لحظة لمساءلة هذا النمط وقدرته على التأقلم مع واقع ثقافي وسياسي جديد.
كان تعدّد هذه التجارب يفترض وجود فضاءات تجمعها، خصوصاً مع صعود عدّة مجموعات شبابية قريبة من نفس التطلّعات لكن بتصورّات موسيقية أكثر متانة واجتهاداً، وفي هذا السياق ظهرت الكثير من التظاهرات غير أن معظمها لم تستمرّ طويلاً، وقد يكون الأمر متوقّعاً في ظل غياب دعم ثابت، خصوصاً وأن الدولة تظلّ الراعي الأساسي للثقافة في تونس ولا تتقاطع مضامين الأغاني الملتزمة مع توجهاتها.
"المهرجان العربي للموسيقى الملتزمة" يمثّل استثناء حيث أقيمت دورته التأسيسية السنة الماضية برعاية وزارة الثقافة، وستقام دورته الجديدة بين 1 و6 من شباط/ فبراير المقبل. فإذا كان وقوف الوزارة خلف هذا المهرجان قد ينقذه من مصير مهرجانات الأغنية البديلة الأخرى، يبقى التساؤل قائماً كيف سيجري التوفيق بين خطاب هذه الأغنية في ظل الرعاية الرسمية.
تبقى مسألة الاستمرارية غير مضمونة، فالرعاية الرسمية ليست ضمانة في حدّ ذاتها حيث أن كثيراً من المهرجانات التي جرى إطلاقها تحت إشراف وزارة الثقافة قد توقّفت هي الأخرى، ولأسباب متعدّدة مثل تغيير الوزير أو تحديد نسب اعتمادات مختلفة.
حيال هذ النوع من الدعم الرسمي، لنا أن نتساءل: لماذا باتت الجهات الرسمية ترعى هكذا مهرجانات؟ لعلّها الثورة في تونس فرضت نفسها على الجهاز المسيّر للحياة الثقافية في تونس، وتمثّل الأغنية الملتزمة أحد تعبيرات الثورة الأساسية.