ميشيما في الرسالة الأخيرة: كاواباتا هو الأقوى بيننا

15 اغسطس 2016
(ميشيما في منزله، 1970، تصوير: كويشي ساييتو)
+ الخط -

تبدو الحرب في المراسلات التي بدأت بين الروائيين اليابانيين ياسوناري كاواباتا (1899-1972) ويوكيو ميشيما (1925-1970)، في آذار/ مارس 1945، خلفية باهتة ما تلبث أن تظهر حتى تختفي. يقول كاواباتا في أول رسالة: "لقد تلقيت مخطوطك عند أناس أعرفهم، كانوا يتحضّرون للهروب إلى الجبل للاحتماء".

تبدأ المراسلات (صدرت بأكثر من طبعة في فرنسا منذ 1997) بين كاتبين أحدهما يقترب من الخمسين، بينما الثاني (ميشيما) لا يزال طالباً عشرينياً في كلية الحقوق، حتى تصل سنة 1947 حين يلتحق بمنصب في وزارة المالية، ليستقيل بعد عام ويُكمل مخطوط روايته الأولى "اعترافات قناع" وينشرها بتشجيع من كاواباتا، الذي ينصح تلميذه بالسفر إلى الغرب. تتوطّد المراسلات بين الكاتبين، وتنتظم لتصير مثل مباراة بينغ بونغ.

نقرأ عن الهدايا المتبادلة، عن العناية التي يوليها ميشيما لمعلمه وعن الحلوى التي يرسلها هذا الأخير للعائلة، نلحظ الحسّ المتطلب عند كاواباتا نحو تلميذه، فمرة يسأله عن اسم مترجمه الأميركي ومرةً يسأله أن يكتب رسالة يزكّيه فيها لدى لجنة نوبل قبل سبع سنوات من الفوز بها، ليجيبه ميشيما بالقول إنّه ليس إلاّ كاتباً صغيراً ولا يعلم إذا ما كان صوته سينفع لكنه طبعاً لن يتخاذل في مدّ يد العون لمعلمه.

يعود الروائيان باستمرار إلى الحديث عن أحد أهم الكتب اليابانية "يوميات عجوز مجنون" لتانيزاكي، وكيف أن كاواباتا ينزعج من "الغايشا" التي تتصدّر أغلفة ترجماته في الغرب، لتنتهي رسائل ميشيما دائماً بتلك العبارة المهذبة "خلال هاته الأيام الباردة أرجوك أن تعتني بصحتك".

في 1967، تظهر انتقادات ميشيما لعمليات التحديث التي يشهدها المجتمع الياباني ما بعد الحرب بل ويقول إنه يشعر بالتقزز من حيادية وسُبات المثقفين. بعدها بسنة واحدة، 1968، وهي سنة حصول كاواباتا على جائزة نوبل للآداب، سيؤسس ميشيما ميليشيا لحماية التقاليد والقيم اليابانية ومحاولة استرجاع القيمة المقدسة لرمز هذه التقاليد والقيم: الإمبراطور. للغرابة، لن نقرأ تهنئة من ميشيما لكاواباتا على جائزة نوبل.

رسائل كاوباتا الأخيرة تتحدّث عن خروجاته مع زوجته، وسفرياتهم العديدة في مدن اليابان، دون أن ينسى الإشادة بالأجزاء ما قبل الأخيرة من رباعية ميشيما الروائية. رسالة ميشيما ما قبل الأخيرة يشرح فيها بالتفصيل تحضيراته لسنة 1970 مع المليشيا وكل السخرية التي احتملها طيلة أربع سنوات من الناس، أما في رسالة كاواباتا الأخيرة فيقول إنّ الأطباء يستغربون من الحياة التي تدبّ في جسده، ليجيبه ميشيما في رسالة الختام "كاواباتا، هو الأقوى بيننا".

يوم 25 تشرين الأول/ أكتوبر 1970 سيُرسل ميشيما لناشره مخطوطة روايته "الملاك المتفسّخ"، وينتحر، ليلتحق به كاواباتا بعد أقل من سنتين، والذي سينتحر بالغاز في مكتبه بمدينة كاماكورا، عاصمة الساموراي قديماً.


المساهمون