تظهر الفنانة التشكيلية الفلسطينية سامية حلبي (القدس، 1936) في تقرير، بثّ في نيسان/ أبريل الماضي حول افتتاح أول معرض في مشروع جديد اسمه "المتحف الفلسطيني" (أقامه رجل أعمال فلسطيني اسمه فيصل صالح) في كونتيكيت الأميركية، لتقول حلبي عبارة تعني بها أن فلسطين موجودة ومكرسة حتى في المنفى. يبدو الحديث عادياً لولا أنه قيل لمديرة الأخبار في مكتب "قناة إسرائيل 24" في واشنطن، التي تدعى منيرة الحمود.
لا نعلم إن كانت حلبي، وهي واحدة من فنانات المدرسة التجريدية البارزات، أدركت أنها تجري مقابلة مع قناة إسرائيلية (الميكروفون يحمل شارة القناة)، أو ربما أنها انتبهت وأرادت أن تقول هذه العبارة على محطة إسرائيلية! لكن ألا ينبغي على من أصبحوا بمثابة رموز في الثقافة والفن الفلسطينيين بشكل خاص أن يكونوا أكثر حذراً من سواهم بخصوص أي
شبهة تطبيع، وأي محاولة لجرّ أقدامهم إليها من قبل "إعلاميين" من نوع الحمود.
كذلك لا نعلم كيف قدّمت الحمود -التي كتبت عنها ناشطة دعائية صهيونية تدعى كانتا أحمد في موقع "تايمز أوف إسرائيل" إنها من أصول سعودية جزائرية- نفسها للفنانة الفلسطينية، وهل كانت واضحة في أنها تعمل مديرة لمكتب المحطّة الصهيونية؛ قِصر وقت المقابلة بحيث تقتصر على عبارة واحدة يجعلنا نفكر في ذلك.
أما موقع "تايمز أوف إسرائيل" فهو موقع بروبغاندا صهيونية بخمس لغات هي العربية والصينية والفرنسية والفارسية والإنكليزية، وقد وصفت فيه كانتا أحمد الصحافية الحمود على خلفية كونها من ضيوف "إفطار رمضاني" بمنزل ما يسمى "السفير الإسرائيلي" في واشنطن، قائلةً: "التقيت بامرأة ودودة وحيوية.. تحدثت لفترة عن عملها كرئيسة لمكتب شبكة تلفزيون "إسرائيل i24"، لذلك افترضت أنها لا بد وأن تكون إسرائيلية. ملامحها الجميلة وشعرها الداكن ذكرني بسيدات من السفرديم عرفتهن في وقت سابق. ولكن حين قدّمت اسمها المسلم، منيرة الحمود، دهشت أن أعرف أنها من أصول جزائرية سعودية. إنها مثلي مسلمة... لم أكتشف كيف يمكن لامرأة مسلمة أن تكون مديرة لشبكة تلفزيون إسرائيلية".
إن كانت كانتا أحمد (وهي "مختصة" في كتابة دعاية صهيونية اسشتراقية رخيصة ويُشك أنها كاتبة هذه المقالات فعلاً) تكتب بنبرة إعجاب وانبهار بالحمود، فإن الردّ على تساؤلها يكون في أربع مفردات امرأة، وعربية، ومسلمة، ولديها الاستعداد للتطبيع ولأن تكون وجهاً لمحطة إسرائيلية، إنها وصفة يبحث عنها الإعلام الإسرائيلي الاستشراقي الذي يعمل ليلاً نهاراً كإدارة كاملة من العلاقات العامة لتغيير صورة "إسرائيل".
"إعلاميون"، مثل الحمود و"كانتا"، سيظلون يحاولون استدراج مثقفين وفنانين عرب إلى مستنقع التطبيع الذي سقط فيه بعضهم من قبل (قناة "إسرائيل 24" هي نفسها التي أجرى معها الكاتب اللبناني أمين معلوف مقابلة قبل سنتين). المهم ألا يسمح المثقف لنفسه أن يكون لقمة سائغة للتطبيع، ومن الضروري أن توضح صاحبة لوحة "فلسطين من البحر إلى النهر" إن كان اللقاء خطأ تتراجع عنه أم كان فخاً؟