"فيلاثكيث، رامبرانت، فيرمير": رسومات من وراء الحروب

11 يوليو 2019
لوحة "بيت مارتا وماري" لـ دييغو فيلاثكيث
+ الخط -

بتوقيع معاهدة سلام مونستر عام 1648 التي أعقبت حرب الثمانين سنة، استقّلت هولندا عن "التاج الإسباني" بعد احتلال دام لأكثر من قرن، واستطاعت خلال الفترة التي لحقتها تحقيق ازدهار اقتصادي وثقافي بارز توّجته بالخروج عن البابوية. انعكس كلّ ذلك على الفن على نحو غيّر تقاليد الممارسات الفنية، وفي مقدّمتها الانتقال من رسم جدران الكنائس وأيقوناتها وتزيين القصور بالنقوش والمنحوتات التي توثّق الحوادث التاريخية، إلى تصوير الحياة العادية والمناظر الطبيعية.

في محاولة لتفكيك ذاكرة سوداء وصورة سلبية تراكمت لدى الشعبين الهولندي والإسباني على مدار أكثر من أربعمئة عام، نظّم "المتحف الوطني" في أمستردام بالتعاون مع وزارة الثقافة الإسبانية بداية العام الجاري معرضاً حول تاريخ مشترك من الحروب والثورات والعنف. لكن في الوقت الذي تظهر فيه الأحداث التاريخية في الواجهة، بقي الفن الذي يربط كلا البلدين مجهولاً، وهو ما يهدف إلى كشفه معرض "فيلاثكيث، رامبرانت، فيرمير: رؤى متوازية" الذي افتتح في "متحف برادو" في مدريد نهاية الشهر الماضي، ويتواصل حتى التاسع والعشرين من أيلول/ سبتمبر المقبل، بالتعاون مع "متحف ريجكس" في هولندا.

تبرز الأعمال الاثنان والسبعون المعروضة أوجه التشابه بين بلدين عاشا حالة عداء سياسي. فإذا كان الفنان الإسباني دييغو فيلاثكيث (1599 – 1660)، يعبّر عن هوية إسبانية، والفنانان الهولنديان رامبرانت هرمنسزون فان راين (1606 – 1669)، ويوهانس فيرمير (1632 – 1675)، من أبرز المؤسسين لهوية هولندية، فإن جميعهم بحث عن جمالية ابتعدت عن المثالية.

ويبدو بوضوح أن أعمال الفنانين الثلاثة ركزت على المظهر الحقيقي للأشياء وطريقة تصويرها، وهو ما يتجلى بشكل واضح عند تجاور أعمالهم في المعرض، ولعلّ ذلك هو أهم ما يقدّمه على خلفية أن معظم اللوحات يعرفها جمهور الفن التشكيلي.

يتشارك الفنانون أيضاً، بحسب البحث الموازي للمعرض، في نقل الأزياء المتشابهة في تلك المرحلة، وهو عنصر يؤكّد على محاولة إضفاء الطابع الإنساني على الموضوعات التي صوّرها الفنانون الثلاثة. كما تظهر الشخصيات التاريخية في معظم الأعمال كأشخاص عاديين، يرتدون ملابس متواضعة ويقيمون في مساحات يومية يعيشها جميع الناس، إضافة إلى الاهتمام المشترك برسم الطبيعة الصامتة وإن كان هذا التوجّه قد انتشر في تلك الحقبة في جميع أنحاء أوروبا.

هكذا يبرز المنظّمون التقارب بين البلدين من خلال الفن في أكثر سنوات القطيعة بينهما. كما يشير المعرض إلى بعض المصادر التي ذكرت أن الفنان الهولندي جيرارد تير بورش (1617 - 1681)، سافر إلى إسبانيا ورسم الملك فيليب الرابع، والذي بدوره أحضر في ثلاثينيات القرن السابع عشر أعمالاً من روما لتزيين قصره في مدريد، ومنها أعمال فنانين هولنديين هم: هيرمان فان سوانفيلت (1603 - 1655)، ويان أسيليجن (حوالي 1610 - 1652)، ويان بوث (حوالي 1618/ 22-1652).

دلالات
المساهمون