عمر الفيومي.. لوحة مأهولة بالسكّان

11 مايو 2019
عمر الفيومي/ مصر
+ الخط -

منذ ولادته في الدقي عام 1957، عاش الفنان المصري عمر الفيومي معظم حياته في تلك المنطقة من القاهرة، وتشربت ذاكرته تفاصيل مقاهيها وملامح ساكنيها وأبنيتها وتاريخها المغرق في البعيد، فكانت هذه التفاصيل مادة عمله الفني الذي يمتد لأربعة عقود.

في قاعة "مارجو فيلون" بـ"مركز التحرير الثقافي" التابع للجامعة الأميركية وسط القاهرة، افتتح في السادس من الشهر الجاري معرض بعنوان "عمر الفيومي: 40 عاماً" ويتواصل حتى الثلاثاء المقبل. يحتفي المعرض بتجربة الفنان التي تأثرت بالتاريخ الفرعوني وبوجوه الفيوم والأيقونات القبطية وتاريخ الفن الحديث، والروسي منه خصوصاً.

سافر الفنان بعد تخرجه من "كلية الفنون" في القاهرة عام 1981، حيث كان تلميذاً لدى التشكيلي حامد ندا، للدراسة في روسيا، وبالتحديد في أكاديمية الفنون الجميلة "ريبن" في ليننغراد (أصبحت سانت بيترسبرغ لاحقاً) حيث تخصص في التصوير الجداري عام 1991. وكان أستاذه أندريه ميتشمينلكاف، أحد أبرز الفنانين الروس في تلك الفترة.

يحب الفيومي الأحياء الشعبية، ويرسم المقاهي في القاهرة بل يتناولها من زوايا مختلفة، يقترب من وجوه الناس ويبتعد عنها كل مرة من منظور، فأكثر ما يشده في الرسم هو الناس الذين يرسهم وهو يتكلمون ويشربون قهوة ويمشون، أو حتى صامتين في بورتريه، يرسم ملائكة يجلسون على طاولة المقهى، أو الناس وهم يطيرون مثل الملائكة، إذ لا تكاد تخلو لوحه من أعماله من البشر؛ فتجربته التشكيلية مثل مدينته مأهولة بالسكان.

في البداية، تأثّر الفيومي بندا، وكان يقوم مثل أستاذه برسم التشخيصات الساذجة والبدائية، إلى أن سافر إلى الأقصر وأقام فيها لمدة شهر وحدث له ما يطلق عليه "الصدمة الضوئية"، إذ انتقل من شوارع الضيقة وأزقتها إلى مكان طلق وفسيح لا بنايات تصد الضوء فيه وليس ثمة ما يحجب الشمس القوية والواضحة، فشكلت هذه التجربة تحولاً في عمله الفني.

كان الفيومي وهو طالب في الجامعة يتردد على ميدان التحرير في القاهرة، وكان الميدان آنذاك مختلفاً، ثمة نافورة تتوسطه ويرتاده الناس في رحلات ونزهات تقصد الجنائن الصغيرة الموزعة فيه.

عن تلك الفترة، يقول: "كنت أقضي ساعات أنظر للناس في الميدان، وكنت أحفظ وجه المصري وهو يمشي، وهو يتحرك وهو يجلس وهو مهموم أو منهمك، في تلك اللحطة سألت نفسي لماذا يجلس الناس مطولاً هكذا، هل ينتظرون المخلّص؟"، ومن هذه الفكرة انطلق معرض "ماري جرجس"، القدّيس الذي ينتظره الناس ليخلّصهم من الأزمات والكروب.

في مرحلة مختلفة، بدأ الفيومي يرسم البيت المصري، والحميمية داخل البيت، فرسم المرأة في بيتها بجلابيتها التقليدية، والرجل في صالة منزله، والقطط من خلف النافذة. إنها لوحات تخصصت بالألفة.

انتقل الفيومي إلى الأيقونات، في مرحلة أخرى من تجربته، فرسم 14 أيقونة هي تنويعات على عمل فني لأندريه روبلوف هي لوحة "الثالوث المقدس"، لكنه سرعان ما عاد إلى رسم المقاهي لفترة طويلة، انتهت مع بداية رسم اللوحات المستوحاة من وجوه الفيوم ودمج بين الوجوه على خلفيات مليئة بالزهور تذكّر بأجواء بورتريهات وأزياء المكسيكية فريدا كالو.

أقام الفنان فترة في تونس، ورسم أيضاً مقاهيها وروحها الشعبية، ثم عاد إلى القاهرة، وغرق من جديد في الحالة الشعبية للمدينة، النساء وثيابهن وعاداتهن وقراءة البخت في الفنجان، والرجال في تجمعاتهم الصاخبة في مقاهيهم ومشاغلهم اليومية.

المساهمون