أنتجت الأنثروبولوجيا نقداً ذاتياً لتاريخها ومسلّماتها أفضى إلى قناعة بأنه لم يعد من الممكن أن تكون حكراً على الباحث الأوروبي، فلا معنى لـ"علم إنسان" يكون منتجه قائماً على مقولات عنصر ثقافي وحيد من بين العناصر الثقافية الممكنة للكائن البشري.
لو نظرنا من خلال هذه المقاربة إلى واقع الأنثروبولوجيا في البلاد العربية، سنجد في الواجهة ذلك الاتهام بأنه علم استعماري على خلفية أن الجندي ورجل السياسة لم يأتيا بمفردهما غازيين إلى بلادنا، بل اصطحبا معهما الكثير من العلماء والمثقفين، ومنهم الأنثروبولوجيون.
لكن، أي حضور للأنثروبولوجيا عربياً، في موازاة هذا الاتهام؟ لن نجد الكثير من تفسيراتها للظواهر الاجتماعية الحارقة، ومنها العنف أو مسائل الهوية والطائفية والتراتبية الاجتماعية وإدارة الحياة العامة. حتى جامعياً، فالمسألة لا تتعدّى تسجيل حضور من خلال بعض أقسام الأنثروبولوجيا في هذه المؤسسة أو تلك، في وقت يزدهر فيه هذا الحقل عالمياً ويتحوّل إلى سماد مخصِّب لكل المجالات المعرفية الأخرى.
فإذا كان الحال كذلك، أليس ما يحدث في العالم العربي تجاه الأنثروبولوجيا تركاً لفضاء معرفي شاسع للغرب وحده، ومن الطبيعي بعد ذلك أن يدسّ فيه مخطّطاته للهيمنة.