التطريز الفلسطيني هو حرفة أساسية وتقليد ضارب بجذوره في الموروث الشعبي الفلسطيني، لكن ما نعرفه اليوم هو جزء صغير من التراث الذي كان غنياً ومتعدداً ومتنوعاً، وفي حين كان يُعرف التخييط المتشابك بالتطريز الفلسطيني التقليدي، إلا أن تقنيات الخياطة الأخرى الأكثر تعقيداً، مثل التشذيب والتجليد والربط والترقيع، أصبحت طي النسيان.
يُشكّل توثيق هذه الفنون وفهرستها قبل أن تختفي من ذاكرة فلسطين تحدياً يتطلّب سباقاً مع الزمن، وعلى نفس القدر من الأهمية أن ترجع هذه التقنيات لتصبح معروفة على نطاق واسع، وتعود لأن تكون جزءاً من الثقافة الشعبية التي تمارس في إنتاج الحرف اليدوية اليوم. بهذه الطريقة، ستتم استعادة هذه التراث الأيقوني لفلسطين، ويسترجع شكله الأصلي المتنوع، ليصبح له مكان في ذاكرة المستقبل.
في هذا السياق، يأتي كتاب "سبع عشرة غرزة تطريز من فلسطين"، الذي يقيم "متحف جامعة بيرزت" ومنظمة "سنبلة" حفل إطلاقه عند الواحدة من بعد ظهر غد السبت، باعتباره أول دليل للتطريز الفلسطيني.
يركّز الكتاب على التقنيات غير المشهورة، والتي هي في طريقها إلى الزوال، ويعتمد تأليفه في الأساس على أبحاث أُجريت على مجموعة الأثواب التي يمتلكها "متحف جامعة بيرزيت" وعلى مقابلات مع عدد من المُطَرِزات.
يصدر الدليل المصوّر باللغتين العربية والإنكليزية، وهو عمل مشترك ساهم فيه كل من تانيا تماري ناصر، وعمر يوسف ناصر خوري، وشيراب يامادا، ووداد كامل قعوار.
وكانت منظمة "سنبلة" التي ترأسها اليابانية شيراب يامادا قد أطلقت عام 2018 حملة بهدف جمع دعم مادي للعمل على هذا الكتاب وإطلاقه بالشكل اللائق، بسبب الصعوبات التي واجهت المؤسسة في الحصول على الدعم من المؤسسات المانحة، فتوجهت إلى دعم الجمهور، وهذا ما حدث فعلاً.
بدأت عملية تأليف الدليل بتحديد التقنيات المختلفة ووضعها في قائمة، تم توزيعها في مواقع مختلفة؛ بعضها في غزة، أو في القرى وبعضها في مخيمات اللاجئين في رام الله والأردن.
جرى الحديث إلى النساء المتقدمات في العمر واللواتي ما زلن يتذكرن هذه التقنيات، لذلك تمكنت "سنبلة" من تجميع الأسماء والأصول واستخدامها، بل وتصوير النساء اللائي عرفن كيف يتطرقن إلى هذه التقنيات ويشرحنها، وجرى شرح عملية الخياطة خطوة بخطوة، وأضيف إليها الرسم التوضيحي والإرشادات.
وطالما شكّل التطريز الفلسطيني موضوعاً مثيراً للاهتمام، فقد قامت الباحثة الرائدة في أركيولوجيا النسيج غريس ماري كراوفووت بكتابة دراسة عن التطريز الفلسطيني عام 1935، وضعت فيه أسماء الغرز وأشكالها وشرحت طرقها المختلفة، وكيف تنتقل بالعين والممارسة من الأم إلى ابنتها لأجيال وأجيال.