"غزو الملاريا": حدث في إيطاليا بين 1900 و1962

25 مايو 2020
(جمع عينات دم في روما، 1920)
+ الخط -
عرفت إيطاليا في نهاية القرن التاسع عشر مليوني حالة وفاة من الملاريا في بلد كان تعداده 30 مليون نسمة، وكانت الملاريا الخبيثة قد احتلت المناطق الوسطى والجنوبية والجزر التابعة للبلاد، وبات الشغل الشاغل للبرلمان الإيطالي هو الموافقة على القوانين التي تحدّ من انتشار المرض.

كان الوضع في المناطق الريفية في كثير من الأحيان مأساوياً. في تلك السنوات، شجّعت دائرة الصحة التابعة للمديرية العامة للسكك الحديدية الحكومية على إجراء سلسلة من التحقيقات حول مرض الملاريا لرسم خريطة للمناطق الموبوءة بالملاريا.

شهد عام 1887 أوّل تجميع للإحصاءات الصحية في إيطاليا، وكان معدّل وفيات الملاريا 710 لكلّ مليون نسمة؛ وهذا الرقم يعني كلّ أنواع الملاريا؛ فقد كان المرض في إيطاليا شديداً على طول السواحل التيرانية والأيونية مع وجود الملاريا المنجلية في الأقاليم المنخفضة؛ فينيتو وتوسكانا والمقاطعات الجنوبية وجزر سردينيا وصقلية. في الشمال، كان هناك حضور مطلق للملاريا الحميدة والرباعية.

تسبّب انتشار المرض في عدم زراعة مليونيْ هكتار من الأراضي، وكان الحدّ من توطّن الملاريا يرجع بشكل رئيسي إلى الموافقة على قوانين ذات أهمية اجتماعية كبيرة. كان أهمّ قانون صادر عن البرلمان الإيطالي هو الموافقة على القانون الذي ينظّم إنتاج الكينين (علاج الملاريا) وتوزيعه مجاناً.

لذلك ولغاية اليوم، تعتبر مساهمة المدرسة الإيطالية في علم الملاريا واكتشاف آلية انتقال المرض أساسية في تاريخ الوباء مهمة، حيث بدأ برنامج تعاون لمكافحة الملاريا في إيطاليا، بدعم من "مؤسسة روكفلر" في عام 1924، مع إنشاء محطّة للمختبرات في روما، التي تحوّلت في عام 1934 إلى "المعهد الوطني للصحة العامة".

يروي الباحث فرانك سنودن في كتابه "غزو الملاريا: إيطاليا 1900-1962"، الصادر حديثاً عن "منشورات جامعة يال" الأميركية، كيف أصبحت إيطاليا المركز العالمي لتطوير علم الملاريا كنظام طبي وأُطلقت الحملة الوطنية الأولى للقضاء على المرض.

يتتبّع سنودن التطوّرات المبكرة ونكسات الحروب العالمية والدكتاتورية الفاشية، والنصر النهائي ضدّ الملاريا بعد الحرب العالمية الثانية. ويوضّح كيف ساعدت مهن الطب والتدريس في تثقيف الناس في الدفاع عن أنفسهم وفي أثناء ذلك توسعّت الحركة النقابية، ونمت حركات زيادة الوعي لدى المرأة، إلى جانب تيارات الدفاع والمطالبة بالحريات المدنية.

كذلك يناقش سنودن جهود مكافحة الملاريا في ظلّ نظام موسوليني، ويكشف عن التفاصيل المفزعة لإطلاق الجيش الألماني المتعمّد للملاريا بين المدنيين الإيطاليين وهو المثال الأول المعروف عن الإرهاب البيولوجي في أوروبا في القرن العشرين.

يقدّم أستاذ تاريخ الطب في "جامعة يال" هذا التاريخ بشكل شامل ونقدي، ليكون بمثابة نموذج آخر لما نعيشه اليوم، إنما في ظلّ حكومات أقلّ إمكانيات وأكثر تشدّداً.

دلالات
المساهمون