جيرو تانيغوشي.. الرجل الذي مشى

13 فبراير 2017
(تانيغوشي في 2015، تصوير: ستيفان دي ساتوكين)
+ الخط -
غالباً ما كانت أعمال فناني الرسوم المصوّرة اليابانيين أشهر من أسمائهم الشخصية في أوروبا وشمال أميركا، وهو ما يرى فيه البعض نوعاً من التعالي الغربي. خصوصاً في مجال جرى اختراعه غرباً ووجد أعلى درجات تطوّره في أقصى الشرق.

يُفلت من ذلك قليلون، من بينهم جيرو تانيغوشي (1947 – 2017)، الكاتب والمصوّر الياباني الذي رحل أوّل أمس في طوكيو، والذي يضع البعض أعماله في درجة "روايات مصوّرة" لا مجرّد رسوم مصوّرة، وهو اعتراف يشترك فيه اليابانيون والأوروبيون على حدٍ سواء.

ثمة ما يفسّر ذلك، ففي كتاب صدر عنه في 2013 بعنوان "تانيغوشي، الرجل الذي يصوّر" (محاكاة لعنوان أشهر مؤلفاته "الرجل الذي يمشي")، جُمعت فيه حواراته مع الصحافة الفرنسية، يقول: "أعتقد بأنني أقع في منتصف الطريق بين النموذجين الأبرز في عالم الرسوم المصوّرة؛ النموذج الأوروبي بكثافة التفاصيل التي تحتويها الصورة، والنموذج الياباني (مانغا) القائم على الحيوية والبساطة الذكية".

رغم أن تانيغوشي قد عاش طفولته في أعسر مراحل التاريخ الياباني (ما بعد الحرب العالمية الثانية)، فإن الثيمة البارزة في أعماله هي "العودة إلى الطفولة" والتي يجسّدها في العلاقات التي يبنيها بين شخصيّاته وأغراضهم، أو مع الطبيعة والحيوان.

الطفل الذي يعيش داخل كل شخصية هو معيار التقييم لدى الكاتب الياباني، فالطيبة أو الشر صفات تظهر في العلاقة مع هذه الأشياء الصغيرة وليس من خلال التصرّفات الاجتماعية. هكذا تتحوّل المانغا مع تانيغوشي إلى عمل يحمل في طياته أبعاداً تأملية في النفس البشرية، كما أن تلك الحركية التي تعرفها عادة أحداث الحكاية تظهر أكثر على مستوى تقلّبات الشخصيات.

لم تكن بدايات تانيغوشي في عالم الرسوم المصوّرة، نهاية الستينيات، توحي بتلك الفرادة التي أتى بها لاحقاً، فق ظل طوال السبعينيات والثمانينات قريباً من الثيمات المتداولة والتجارية، من خلال قصص بوليسية أو مغامرات خيالية، غير أنه في عمل بعنوان "في زمن بوتشان" (1987) جمع بين التاريخ والأدب السياسي في عمل مصوّر وهو ما يعتبر نادراً.

لن نجد مثيلاً لهذا العمل الذي جلب له الأضواء في بقية مشواره، فقد تحرّر فيه من متطلّبات الناشرين والسوق، ليلتفت إلى البساطة، حيث وجد صوته في قصص الحياة اليومية وتفاصيلها، فأصدر "الرجل الذي يمشي" و"أرض الأحلام"، وضمن نفس السياق، أصدر عملين مصوّرين أوتوبيوغرافيين "يوميات أبي" و"الحي البعيد" وهي أعمال استقبلت في أوروبا كأعمال أدبية خالصة.

المساهمون