محمد عمران: الجسد المعذب صار سورياً

20 يناير 2017
(من مجموعة "الانتظار")
+ الخط -
ترك الحدث السوري، المستمر حتى يومنا هذا، أثراً كبيراً على معظم نتاجات فناني سورية وبشكل خاص على التشكيليين الذين صارت أعمالهم أكثر قدرة على التعبير وأكثر التصاقاً بالراهن. وفي الحديث السابق يبرز اسم محمد عمران (1979) الذي يعد من أكثر الأمثلة تعبيراً عن التغيير الحاصل على فلسفة اللوحة أو المنحوتة عنده وهذا ما يلحظه المتابع في السنوات الأخيرة وبشكل خاص في مجموعته التي يعرضها في "غاليري أوروبيا" الباريسي حتى 17 شباط/ فبراير المقبل.

شغلت ثيمة الإنسان المعذب عمران منذ بداياته سواء في البحث النظري أو في الجانب العملي، بعد ذلك بدأ بإضافة عناصر من الوسط المحيط على منحوتاته لتصبح علاقة الساكن بالمتحرك مركزية عنده، ثم في فترة لاحقة صار بطله مسخاً حاملاً لكثير من الصفات الحيوانية المتخيلة. عن هذا التحول وعلاقته مع الانتفاضة السورية يقول عمران لـ "العربي الجديد": "مع بداية الانتفاضة بدأت بإنتاج مجموعة من الرسوم تحاكي ما يحدث من عنف وموت يومي، حيث بقيت موضوعتي هي نفسها إلا أن حامل الموضوعة أصبح أكثر وضوحاً، فالوحش تحول إلى ديكتاتور والجسد المعذب تحول إلى الإنسان السوري".

يشتمل المعرض على تسعة أعمال من بينها سلسلة "الانتظار" المؤلفة من 18 منحوتة تظهر أشخاصاً في وضعيات جلوس، إضافة إلى ستة لوحات نحت جداري. تطل في أعمال عمران ثيمات الترقب والانتظار والجدوى، وتبدو شخوصه ماضية نحو دواخلها وهي تشاهد على مرآة أمامها تعكس تشوهاتها المتعاظمة يومياً.

على الرغم من حالة القسوة في المشهد الذي تؤثثه منحوتات الفنان إلا أن هذا لا يلغي فرادة كل منها في علاقتها مع الذات ومع الكارثة العامة، فيظهر جلياً اشتغال عمران على الوضعيات الخاصة وتشريح جسد كل شخصية (منحوتة)، الأمر الذي من شأنه أن يحيل المأساة العامة إلى خطوط قاسية على الأجساد، والخاصة إلى حالة من السكون تستمر بخنق الفضاء العام. مع كل ماسبق تحتفظ الشخصيات بروح السخرية التي هي بحسب الفنان: " سخرية مُرة، هي طريقة لمواجهة الواقع أو الاحتيال عليه، وعلى المستوى التشكيلي فهي أداة لتخفيف القسوة".

في المعرض سيكون الأبطال هم الجمهور حيث تُغيب العيون أو تختفي لتبدو الشخصيات وكأنها تراقب العالم المحيط وتتلقى ضرباته عبر أعضاء جسدها وكسوته، فيفعل الواقع فعلته بالجسد كما يفعل الحت والترسيب بالصخور، هكذا تنتمي أعمال عمران في هذا المعرض إلى تجربته الفنية وإلى الواقع السوري، وكأن الفنان قد قام بجمع أبطاله بعد أن أطلق سراحها منذ بضعة سنوات لتتابع الحدث السوري وتترقب، ثم أعادها الآن بغرض عرضها، لتتعقد العلاقة بين جمهور المعرض وجمهور المنحوتات ويتساءل كل منهم في سره: "من منا يتفرج على الآخر؟". 

المساهمون