على الرغم من أنّ الموسيقى أقل الفنون ارتباطاً بالواقع وسياقاته التاريخية والاجتماعية، إلا أنها تظلّ حمّالة لكثير من ملامحه. انطلاقاً من هذه الرؤية، يجتمع يوم الأحد المقبل كل من عازفة البيانو الفرنسية كاترين شوفار، ومواطنها الروائي جيل لابورت لتقديم فعالية حول موسيقى الفنان البولندي فريديريك شوبان (1810 - 1849) تمزج بين عزف مقطوعات ألّفها وتبيين علاقتها بالمناخات الفنية والسياسية التي كانت تعيشها أوروبا في القرن التاسع عشر.
تقام الفعالية في "قصر لونيفيل" في مقاطعة لورين الفرنسية، وهي منطقة ليست غريبة عن شوبان؛ حيث استقرّ فيها لدى أول انتقال من بلده الأم إلى فرنسا على خلفية أن هذه المقاطعة كان قد حكمها دوقات من أصول بولندية، أهمهم ستانيسلاس ليزنسكي الذي استقلّ بحكم اللورين عن التاج الفرنسي في باريس، في بداية القرن الثامن عشر بعد أن خسر ملكه في بولندا، محققاً نهضة أدبية وفنية في المنطقة، حتى أن كثيراً من المؤرخين يعتبرون فترته العصر الذهبي للمنطقة.
وصل شوبان إلى فرنسا بعد قرن تقريباً، وقد أصبحت إمبراطورية قوية وانتهى فيها عصر الدوقات، غير أنه وجد مع عائلته رعاية واحد من أحفاء ستانيسلاس، قبل أن يختار التوجّه إلى باريس لمطاردة أمجاده الفنية.
هذه العلاقة بين شوبان وفرنسا ستكون بالأساس محور تعليقات لابورت على المقطوعات التي تؤديها شريكته في العمل؛ حيث يبرز خصوصاً أثر تقلبات تاريخ فرنسي في القرن التاسع عشر مع نفسية الفتى البولندي المغترب، ومن وراء ذلك يضيء علاقته بالمجتمع الفنّي في باريس، والذي كان يعيش حالة من الغليان.
يُذكر أن هذه الفعالية تُقام ضمن احتفالات بمرور 170 عاماً على رحيل شوبان، وهو رحيل درامي يحاول أن يضيئه لابورت، خصوصاً أن أعمال صاحب "الليليات" كانت تحمل نزعة جنائزية بارزة، لا شك بأن أوضاعه الصحية والنفسية كانت إحدى عوامل إنتاجها.