لقرون كانت "الطبيعة الميتة" أحد أكثر الأشكال حضوراً في اللوحة، حيث يلتقط الفنانون مشهداً ساكناً يستخلصون منه معاني ورائية غامضة في الغالب. شهد تاريخ الفن في القرن التاسع عشر تحوّلات عميقة وضعت "الطبيعة الميتة" في خلفية الحياة الفنية، إذ لم تعد سوى تمرين من الضروري أن يمر عليه دارس الفنون الجميلة لا غير.
غياب الطبيعة الميتة في اهتمامات الفنانين تبعه غيابه في نظريات الفن، غير أن مؤرخة الفن الفرنسية لورانس برنار دورلياك تبدو في عملها الأخير - الصادر منذ أيام عن منشورات غالميار - وقد اتخذت مساراً عكس التيار تماماً، حيث تجعل من الطبيعة الميتة موضوعاً مركزياً حتى يحسب القارئ بأنه من بين صيحات الفن الحديثة.
يحمل الكتاب عنواناً مثيراً وإشكالياً؛ "أن ننتهي من الطبيعة الميتة"، وعلى عكس القراءة الأولية تبدو دورلياك وكأنها تدعو إلى عدم الاستعجال في إنهاء هذا النمط الفنّي حيث ترى بأنه يختزن سيرة علاقة الإنسان بالعالم، وأن اندثاره سيؤدّي إلى فقدان الصلة بين النظري والمحسوس.
تشير المؤلفة إلى أنها لا تدرج عملها في تاريخ الفن، مجال تخصّصها الذي عُرفت به، بل ضمن تاريخ أوسع هو تاريخ تجسيدات الأشياء، وتجد في الطبيعة الميتة - كنمط فنّي - خيطاً يرسم انشغالات الإنسان بالأغراض من حوله، وهي في ذلك تلفت إلى الفروقات بين المراحل الزمنية، من عصور ما قبل التاريخ إلى أيامنا، والفضاءات الجغرافية خصوصاً بين أوروبا وشمال القارة الأميركية.
لا تقف دورلياك عند اللوحة، بل تمتد دراستها إلى فنون أخرى مثل الفوتوغرافيا والسينما وتحضر هنا بالخصوص تجربتا جاك تاتي وتاركوفسكي، وعلى مستوى آخر تُبرز حضور الطبيعة الميتة، بمعنى التفكير في غرض بمعزل عن ديناميكية واستعمالاته، في الفكر الحديث من كارل ماركس إلى رولان بارت.
المؤلفة من مواليد 1957، ومن أبرز مؤلفاتها: "فن الهزيمة: 1940 - 1944" (2008)، و"محادثة مع هنري ماتيس" (2012)، و"النظام المتوحش: العنف والمقدّس في فنون عقد الخمسينيات" (2004).