تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه. "أمّةٌ بلا موسيقى أمّة بلا هويّة، كجذع شجرة متيبّس، لهذا كلّه سأختار ما أنا عليه"، يقول الشاعر والملحّن العراقي.
■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
- أجدني قلقاً، متوجسّاً من مباغتة فيروس كورونا، تتلبّسُني همومٌ وأفكارٌ متداخلة بين الخوف والترقّب، بين الحذر والحيطة وبين قفص الحجر الصحّي الذي أنتج لنا كآبةً ومللاً ورتابةً. وهناك تفكيرٌ في تجميع ما كتبتُه من قصائد ومقالات في كتاب من أجل توثيقها، وهذا التفكير يشمل الألحان والأعمال الموسيقية أيضاً. الأيام تمرّ مسرعةً، وهذا ما يشغل البال.
■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
- أنجزتُ قبل أشهر عملاً موسيقياً غنائياً، يتغنّى بحبّ الوطن، النص الشعري من تأليف الشاعر خلدون جاويد، وقد اشترك في أدائه نخبةٌ من طالبات وطلّاب كلية الفنون في البصرة؛ حيث قمت بتسجيله. ولديّ أعمالٌ موسيقية أتحرّق لتسجيلها، لكن الظروف غير مهيّأة في ظل الأوضاع السياسية المرتبكة. على صعيد الشعر، نشرتُ بضع قصائد على مواقع التواصل الاجتماعي. أمّا عن قادم الأعمال، فهناك مشروع حول تسجيل عدد من الأغاني الجاهزة بعد اختيار الأصوات الغنائية الجيّدة، بالإضافة إلى تجميع وطبع القصائد التي نُشرت هنا وهناك، والتي لم تنشر في ديوان جديد.
■ هل أنت راض عن إنتاجك ولماذا؟
- ليس هناك حدود يقف عندها الشاعر والفنّان راضياً عن أعماله، فأنا راضٍ ومستمرّ في إنتاجي، لكن نشره أو توزيعهُ يشكلّ غصّةً تصل أحياناً إلى حد الانكفاء والإحباط. مسألة الرضا من عدمهِ تتوقّف على توفّر اشتراطات النشر، وإلاّ ما فائدة الإنتاج الساكن في الأدراج؟
■ لو قُيّض لك البدء من جديد، أيّ مسار كنت ستختار؟
- أحببتُ الموسيقى والشعر، كونهما انبعاثٌ روحيّ لدواخل المرء ونداءاته، ليس هناك أروع من الشعر حين ترافقهُ الموسيقى، هما توأمان يمنحان الحياة اشراقاً ومتعةً ونضارةً، والإنسان بدونهما سيعتريه الصدأ، وأمّةٌ بلا موسيقى أمّة بلا هويّة، كجذع شجرة متيبّس، لهذا كلّه سأختار هذا المسار، سأختار ما أنا عليه.
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- التعايش السلمي بين الشعوب والأُمم، أن تتّخذ "الأُمم المتّحدة" موقفاً فعلياً حازماً ضد الحروب وضد اعتداءات الدول الكبرى ومحاولاتها في الهيمنة على ثروات واقتصاديات الدول والتدخّل في شؤونها ومصائرها. أن يُتّخَذ قرار لرعاية الشباب العالمي باستحداث يوم معيَّن من كل سنة للقاء في مهرجان للمحبّة والسلام والتعارف، وأن يجري التأكيد على رعاية شاملة للطفل في كل بلدان العالم.
■ شخصية من الماضي تودّ لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
- هُناك أكثر من شخصية وددتُ اللقاء بها. في الشعر السيّاب لرقّة شعره واتساع رؤاه وانسيابية قصائده الشعرية. في الموسيقى الفنّان الراحل عبد الحليم حافظ الذي ترك أثراً عميقاً في وجداني وذائقتي. يتمتّع عبد الحليم بإحساس يفيض رقةً ويختزن حزناً متخثّراً يطفو حتى في أغانيه الفرحة، وحين يغنّي تراه منفصلاً عن واقعه، وكأنه يرتّل في محراب للعبادة، كما يمتاز بفطنةٍ ومقدرة على اختيار الألحان والقصائد، وقد يتدخّل في تعديل بعض مقاطعها.
■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
- بالتأكيد صديقٌ عزيزٌ راحلٌ، ليس فقط يخطر في البال، بل هو كامنٌ في الحنايا وفي الذاكرة، أفتقدهُ بوجعٍ مضن... إنهُ الشاعر والفنان محمد سعيد الصكار، النموذج الأعلى والرعشة الأسنى الأقرب لنبض القلب، الغائب الحاضر، والذي يقيمُ في الخاطر.
■ ماذا تقرأ الآن؟
- أهوى العودة على الدوام لقراءة كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني، وأحياناً "العهد القديم"، التوراة.
■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
- أرتاح وأستمتع عموماً بسماع الموسيقى الكلاسيكية، وما يتوفّر من نتاج عربي غنائي متنوّع، وأحياناً أتقصّد الاستماع إلى بعض الألوان الغنائية لشعوبٍ أُخرى رغم عدم فهمي معاني كلماتها، إنما اطلاع وحبّ لاختلاف الإحساس واللون. أدعوكم لسماع موسيقى وأغاني الصوفية الإيرانية التي تقدّمها بعض الفرق الموسيقية في إيران، من شعر المتصوّف جلال الدين الرومي، وبذلك الأداء الرائع الذي يثير في النفس خشوعاً وطمأنينةً وينقل الإنسان إلى عوالم ملأى بالصفاء الروحي والمحبّة.
بطاقة
شاعرٌ وكاتبُ نصوص غنائية وموسيقيّ وملحنٌ عراقي وُلد في البصرة في 1937 ومقيمٌ في الدنمارك. صدر له في الشعر: "حكايةٌ لطائر النورس" (1974)، و"تقاسيم على الوتر السادس" (2010). لحّن العديد من الأغاني الفردية والأعمال المسرحية الغنائية والأوبريتات منذ الستينيات؛ أبرزها أوبريت "المطرقة" للفرقة الموسيقية البصرية التي شارك فيها قرابة 75 فنّاناً. كما لحّن قصائد لكثير من الشعراء؛ من بينها: "دجلة الخير" للجواهري، و"غريب على الخليج" و"أنشودة المطر" للسيّاب، إضافة إلى شعراء آخرين لحّن لهم نصوصاً باللغة المحكيّة. كما تعاون مع العديد من المطربين؛ من بينهم الفنّان العراقي الراحل فؤاد سالم الذي غنّى قصيدتَي السيّاب المذكورتين.