شكّل الربيع العربي قلقاً للمنظومة الغربية الهادئة التي لا تعاني إلا من مشكلات اقتصادية تتجدّد مع الانتخابات كساحة لمنافسات الأحزاب. فالربيع كاد أن يكون ملهماً للشبيبة الغربية، مظاهره السلمية المصرية الأقرب للمهرجان، أوحت لهم باعتمادها غربياً. لم يغب هذا النذير عن أذهان السياسيين المتطيّرين من كل تغيير لا يتم عبر الطرق البرلمانية.
ليس من العسير تخيّل آلاف الشبان في أوروبا يعتصمون في الساحات العامة، يرشقون المؤسسات القائمة بالحجارة ويصطدمون مع الشرطة. ويمكن أيضاً تخيّل الارتباك الذي ستواجهه الحكومات الديمقراطية، فيما إذا لم تفلح خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي.
ما حاجة أوروبا للثورة؟ للشعوب الغربية مظالمها أيضاً، وإذا تأخرت ثورتهم فلافتقادهم إلى أحزاب وقادة، مع أن الأرض ممهدة لها؛ الثروات تتركز بأيدي القلة، البطالة تهددهم، النخبة من المتنفذين فاسدة، الفضائح لا تتوقف... لو ظهر بيان شيوعي لأعقبته الكومونة، يتساقط على إثرها الآلاف من المحتجين.
طبعاً ما زلنا في دائرة التخيّل، فالبيان الشيوعي لم يفت أوانه، مع بعض التنقيح، يصلح لزماننا، لكن سمعته سيئة، ذكريات الحكومات الشمولية والمعتقلات في الأذهان. لولاها لكان التلويح به مرعباً.
يضاف إلى عدم توفّر بيان شيوعي أو فوضوي أو إنساني، أن الغرب استهلكه؛ الأجدى الاستنجاد بالتاريخ، بالعودة إلى عصور الإيمان الهانئة، فالدين أثبت نجاعته كمحرّض على النضال والتضحية.
أما التكلفة، فدورة من الحروب الدموية، الثورة لا تأخذ عاماً أو عامين، تمتد عقوداً. لا عائق، الغرب لا يخلو من أديان غامضة تنفض الغبار عنها، يحفّ بها متطرفون مسعورون، وجماعات تؤمن بشرائع ممسوسة بالخرافات والجنون.
في هذا المناخ، لا غرابة إذا توجّست الحكومات، واعتقدت أنها تواجه ثورة إرهابية لا احتجاجات سلمية، لكن الحلول غير متوفرة. فمحاكم التفتيش الناجعة في سحقها، سمعتها أسوأ من الشيوعية، هذا من بديهيات العلمانية القحة.
بالاستئناس بالواقع الحالي، سورية قدّمت أمثلة عملية وقضت على احتجاجات مسالمة وصورتها على أنها حرب عصابات، وابتدعت خريطة طريق ترافقت فيها المدافع بالإفراج عن إرهابيين من خزانات النظام، وغض النظر عما بات كتائب مسلحة بذقون كثة ترفع شريعة السيف والدم.
الحلّ باللجوء إلى الابتكار نفسه: تعويذة الإرهاب المنجية. تُفتعل على هديها اشتباكات بالأسلحة وتفجيرات، تعالج بالقناصة والاعتقالات العشوائية، ولا يستبعد الموت تحت التعذيب، آليات القمع ليست متشابهة بل متطابقة.
الدين مهما كان هذا الدين، سيقدّم مادة دسمة، لن تتلكأ المخابرات الأوروبية عن حقنها بالإرهابيين... المأزق أن الإرهاب سيواصل الانتشار، وأميركا ستقف موقف المتفرج، لن تنجد أوروبا بالسرعة المطلوبة، سواء كان أوباما الرئيس أو غيره، سيخضع تدخلها إلى مناقشات: هل تتورط أميركا بالقارة العجوز؟ الشرق الأقصى هو الهدف، أوروبا غير مهمة. يستحسن تركها للروس ليستعيدوا إمبراطوريتهم، لا بد ستنهكهم. لذلك الغرب لا يسمح بأي ربيع، حتى الاحتجاجات مُدانة.