ضمن منطقة ما يُعرف بـ"الدراسات السوداء"، عُرف المفكّر الأميركي سيدريك روبنسون (1940 - 2016) حيث طوّر العديد من المفاهيم والنظريات التي تساهم في فهم وضع السود في عالم اليوم، وهي إسهامات تزايد الاهتمام بها في السنوات الأخيرة مع وصول دونالد ترامب بخطابه العنصري إلى "البيت الأبيض"، وهو وضع يحيل إلى فكرة روبنسون عن "الرأسمالية العنصرية" حيث يعتبر أن النظام الاقتصادي قد طوّر آليات نبذ وتمييز بين المواطنين، وقد دعا في مقابلها إلى "ماركسية سوداء" تقوم على التنظيم الأفقي للحركات الاجتماعية.
حول أفكار روبنسون، يجتمع عدد من الباحثين في "سينما بيربيك" في لندن عند السادسة من مساء بعد غد الجمعة، وهم: جينا مارشال من "جامعة كاسل" الألمانية، وآدم هنية من "سواس" البريطانية، وداليا جبريل من "مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية"، وجون نارايان من "كينغز كولج لندن"، وغارغي بهاتاشاريا من "جامعة شرق لندن".
بالنسبة إلى منظمي الندوة، فإن "الرأسمالية العنصرية"، كما صاغها روبنسون، واحدة من أهم المساهمات النظرية المستمدة من التقاليد الراديكالية السوداء، فـ "مع فكرة الرأسمالية العنصرية، سعى المفكر الأميركي إلى تفجير المفاهيم التقليدية للاقتصاد السياسي من خلال وضع الممارسات العنصرية المتمثّلة في الاستعمار والاستعباد والفصل العنصري في صلب دراسته للرأسمالية".
هذا الاهتمام بأفكار روبنسون ليس استثناء، حيث عادت مؤخراً الكثير من الدراسات للبحث في مفهوم الرأسمالية العنصرية، لعلّ أبرزها كتاب غارغي بهاتاشاريا "إعادة النظر في الرأسمالية العنصرية" (2018). ورغم أن روبنسون يركّز على "مجتمع السود" في أميركا، إلا أن أفكاره قابلة للتعميم على مجتمعات أخرى، حيث استعملت نتائج أبحاثه في فهم ممارسات كثيرة في العالم والربط بين عناصر كانت تبدو متباعدة مثل الطبقة والأسواق والممتلكات والعمل من جهة، والامتيازات السياسية والقمع وعنف الدولة من جهة أخرى.
نشأ روبنسون في حيّ من أحياء الطبقة العاملة السوداء في غرب أوكلاند، وتلقى تعليمه في المدارس العامة، التحق بـ"جامعة كاليفورنيا" في بيركلي، حيث تخصّص في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، وعُرف كناشط حقوقي في الجامعة وكان أحد منظمي اجتماع لـ مالكولم إكس بين الطلبة، وقد كان هذا النشاط سبباً في فصله من الدراسة، قبل أن يعود بعد فترة عاش جزءاً منها مجنداً وكانت فرصة أخرى للوقوف على مسألة العنصرية.
في 1974، عاد إلى الدراسة وتخصّص في النظرية السياسية، وقد بدأ وقتها في تطوير مقاربات راديكالية تتحدى مسلّمات النظريات الليبرالية والماركسية عن التغيير السياسي. من وجهة نظر روبنسون، لم تنفصل الرأسمالية والعنصرية، فكلاهما من رواسب أنظمة اقتصادية قديمة عرفت تحوّلات لم تمسّ بالأسس غير العادلة للاقتصاد من استغلال وقمع.