إذا كان من الدارج ضمن الكتابة الروائية الاستناد إلى ذاكرة الكاتب إذ تتضمّن الكثير من تجاربه وخبرته، فإن أشكال الكتابة الأخرى، ومنها المسرح، قلما اعترفت بالسيرة الذاتية كأحد مكوّناتها الدارجة، وإن بدأ هذا التلاقي يأخذ زخماً في العقدين الأخيرين مع توسّع نطاق مسرح المؤدّي الواحد أو المونودراما.
في عملها الأخير الذي حمل عنوان "روّح" (قطعت سلسلة عروضه إجراءات التوقّي من انتشار فيروس كورونا في تونس) تتخذ فاطمة الفالحي من عناصر حياتها الشخصية مادة لعمل تؤدّيه بنفسها، واشتركت في كتابته مع خولة الهادف ويسر قلاعي، ويبدو أن الكتابة الثلاثية قد أتاحت أن نفهم الشخصية المقدّمة مسرحياً من موقعين؛ داخلي وخارجي.
في حديث إلى "العربي الجديد"، تخبرنا الفالحي بأن "ثلاثيّ الكتابة قد جعل من حياتها كفرد وكفنانة مسرحية المادة الرئيسية للنص، ولكن ذلك لم يمنع من الذهاب في اتجاهات عديدة ومختلفة بما يخدم العمل الفنّي". تضيف: "خلال العروض الأولى، في نهاية كانون الثاني/ يناير الماضي، سُعدنا لأن الحاضرين وجدوا في حكاية فاطمة حكاياتهم الخاصة، كما وجدوا في واقع حياتها بعضاً من تجاربهم الشخصية مما أخرج النص من زاويته الضيقة التي تخصّ حياتي إلى فضاء أرحب يمكن أن يلامس أي مشاهد".
هكذا تبدو مسرحية "روّح" أقرب إلى "التخييل الذاتي" منها إلى سيرةٍ ذاتية حرفية، فلا يكفي تطابق اسم الراو مع اسم الشخصية الرئيسية، واستعمال ضمير المتحدّث، للجزم بأن العمل من "جنس" السيرة الذاتية.
لكن، أية خصوصية لعمل مسرحي يستند إلى "سيرة ذاتية"؟ تقول الفالحي: "هناك مراوحة بين الشخصية والممثلة، وهو ما يتيح شبكة أدوات قد لا تتوفّر في صيغ مسرحية أخرى، فإضافة إلى السرد، هناك عنصر المكاشفة وهذا الأخير يقف في مسرحية "روّح" على قدمين: شهادة مواطنة حول ما يدور في بلدها، وشهادة ذاتية للممثلة حول الأوضاع التي عاشتها عائلتها، وعلاقتها بها".
تضيف: "هي لعبةٌ ممتعة أن تكون في نفس الوقت ممثلاً وشخصية مسرحية. كُتب النص على هذا النحو، ذهاباً وإياباً بين هذين العالمين. وانطلاقاً من تجربتي في العروض الأولى أعتقد أن ذلك يخلق لدى الممثلة مسافة كافية للتعليق على الأحداث وعلى نفسها، فلا هي موغلة في جانب الموضوعية المطلقة ولا هي تقيم كل شيء على الذاتية المغرقة في آرائها الشخصية وتصوّراتها وعواطفها. هذا الاختيار قدّم لي مساحات أرحب وأثرى حتى يتنوّع الأداء ويتحرك بانسيابية عبر عوالم مختلفة داخل العمل ذاته".
في ذهن الإنسان، كثيراً ما تتلوّن الذكريات بتطوّر تجربته في الحياة، وهو معطى قد ينسحب على عمل مثل "روّح" يقوم على فعل التذكّر ومسرحته. في هذا السياق، تقول الفالحي في ختام حديثها إلى "العربي الجديد": "نعم، يتيح ذلك الكثير من المرونة، فأن تكون حياتُك هي مادة النص فهذا يعني أنك وفّرت مساحة واسعة لاستخراج حكايات ومواقف، النص الحالي هو أحد ممكناتها، ولا شك أن هناك مجالاً لإدخال عناصر جديدة، وحكايات أخرى لتؤثث العمل".