ربما تكون الحرب الأهلية الإسبانية (1936 - 1939) أول الصراعات الداخلية في العصر الحديث التي تُحدث انقساماً دولياً حولها شَمِل أوروبا ومناطق عديدة من العالم، بين مؤيدين للجنرال فرانكو فرانشيسكو وسياساته الفاشية، وبين معارضيه من قوى يسارية وديمقراطية.
وكما تدفّق السلاح إلى كلتا الجبهتيْن المتحاربتيْن من دول غربية عدّة، فقد انخرط قرابة أربعين ألف متطوعٍ غالبيتهم من القارة العجوز، وانشغل الكتّاب والفنانون بتناول فصول الإبادة التي قام بها اليمين الإسباني الفاشي، ولا تزال استعادتها ومراجعاتها جارية لليوم بعد أكثر من ثمانين عاماً على انتهائها.
حتى الرابع والعشرين من الشهر الجاري، يتواصل معرض "الدبلوماسيون والمنفى" في "البيت العربي" بمدريد، والذي يتضمّن وثائق وصوراً فوتوغرافية ومواد وسجلّات أرشيفية تمّ جمعها خلال سنوات الحرب وما تلاها.
يتناول المعرض، الذي افتتح في الثامن والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، السياقات التي اضطر خلالها أعضاء السلك الدبلوماسي الإسباني إلى القيام بأنشطتهم، في أوقات السِلْم قبل انقلاب 17 يوليو/تموز 1936 بقيادة خوسيه سانخورخو الذي سقطت طائرته بعد ثلاثة أيام من الانقلاب ليخلفه "الكاوديو" (لقب فرانكو ويعني زعيم الأمّة)، وتحرّكاتهم أثناء النزاع وما شهده من تدّخلات خارجية، كما يستعرض الهجرات التي تواصلت طوال ثلاث سنوات، وشرّدت قرابة نصف مليون من بينهم خمسة آلاف مثقّف.
تطرح الوثائق المعروضة تساؤلات حول كيفية توجيه كتابات المؤرّخين حول تلك الفترة، والذين اعتمدت غالبيتهم على مواقف أيديولوجية مسبقة، بينما كشَف البحث في المحفوظات الإسبانية والأجنبية عن التعليمات التي كان يتلقّاها السفراء ومحتوى المراسلات التي تبادلوها مع الداخل والخارج، والتي لم يسلَّط الضوء عليها من قبل، وتقدّم رواية أكثر دقّة وموضوعية.
يشير المعرض إلى أن مئتين وخمسة وسبعين شخصاً حصلوا على وظيفة دبلوماسية بعد قيام النظام الديمقراطي عام 1931، لكن نصفهم فقط هم الذين بقوا موالين لمبادئ الجمهورية ولم ينحازوا إلى فرانكو، ما اضطر الحكومة إلى الاستعانة بعدد من المثقّفين وأساتذة الجامعات في الخارج.
اعتمد المنظّمون على أرشيفات وزارة الخارجية الإسبانية وعدد من بلدان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، والتي تظهر كيف خاض بعض السفراء معارك شرسة للدفاع عن مواقفهم وقضيتهم التي مارس المجتمع الدولي التعتيم حولها في الفترة الأولى نتيجة التزام عدد من البلدان الأوروبية والاتحاد السوفييتي وأميركا الحياد تجاه الأطراف المتقاتلة، وعليه فإن الحرب "لم تؤل إلى ما انتهت إليه عبر ساحات القتال فقط"، بحسب بيان المعرض.
كما توضّح سجلّات المعرض جانباً مهماً عاشه الذين هُزموا في الحرب، حيث خسر كثير منهم وظائفهم ومن هؤلاء كان العديد من الدبلوماسيين، وأُجبر بعضهم الآخر على الصمت حول ما عايشوه من أحداث ووقائع ولم يتمكّنوا من الحديث عنها حتى وقت قريب.