"ترجمان الأشواق".. مختارات إنكليزية ووقوف عند ابن عربي

16 فبراير 2019
(منحوتات لسيمون فتّال مستوحاة من قراءاتها الصوفية)
+ الخط -
ترجمة إنكليزية جديدة لمختارات من قصائد ابن عربي الصوفية، أنجزها مؤخراً الباحث والأكاديمي الأميركي المتخصص في مجال الدراسات القرآنية والصوفية مايكل سيلز، الأستاذ في جامعة شيكاغو.

صدرت الترجمة، التي حملت عنوان "حائر" (Bewildered)، عن دار "بوست- أبولو بريس" للناشرة والفنّانة اللبنانية سيمون فتال التي سبق وأن كتبت عن ابن عربي، واستوحت بعض أعمالها التشكيلية والنحتية من عوالمه الصوفية.

تقدّم فتال الكتاب في أمسيةٍ بحضور المترجم عند الثانية من بعد ظهر غدٍ السبت في "غاليري أكتوبر" بلندن، في محاضرة بعنوان "حائر: شعر الحب الصوفي عند ابن عربي"، تُقرأ خلالها الأشعار وتناقش التجربة الصوفية الشعرية ومعانيها عند صاحب "الفتوحات المكية".

كتب سيلز عدة تحليلات وقراءات في تجربة ابن عربي الصوفية، ورأى أن بعض قصائده تعلن عن تجذرها في التقاليد العربية الكلاسيكية للشعر، فمنها ما يبدأ بـ "النسيب" والغزل الرقيق، أو "الوقوف على الطلل" أي التأمل على أنقاض المكان بعد أن هجره المحبوب.الناشرة سيمون فتال والمترجم مايكل سيلز أثناء العمل

ويرى الكاتب أن ابن عربي في جميع قصائد "ترجمان الأشواق"، يبني عوالم متوازية من محطات التقاليد الشعرية العربية ومحطات الحج، فلغة الحج تمثل نموذجاً مهماً في قصائد الـ "ترجمان"، مع وجود إشارات مستمرة إلى الكعبة والطواف حولها، ومسار الحج، والمحطات على طول هذا الرحلة، ويقول إن ابن عربي دافع عن قصائده لكي لا تُنسَب إلى قصة حب حسية، حين اعتبر أنها بمثابة سرد لرحلة الحج الخاصة به.

لم يكن الشيخ الأكبر، بحسب سيلز، الأندلسي الوحيد الذي عاد إلى التقليد الكلاسيكي في الشعر العربي، فعديد من شعراء الأندلس كيّفوا مطالع القصائد الجاهلية في إطار حياة أندلسية حضرية، من ذلك ابن زيدون الذي صنع أطلاله المهجورة بالقرب من قرطبة في قصر الخليفة في قصيدة مطلعها "إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا".

ويذهب سيلز إلى القول إن ابن عربي لم يبتكر نمط قصيدته تماماً بل إن أشعاره تتماثل في هذا السياق مع معاصره ابن الفارض، ويتطرق إلى أن توجيه العلاقة بين المحطات الشعرية والدينية والطقوسية ليست مجرد ابتكار هنا، بل إنها إعادة اكتشاف للآثار التي كانت موجودة بالفعل في الشعر القديم.

أجواء العشق في قصائد ابن عربي وابن الفارض ليست غريبة عن أشعار قيس بن الملوح (مجنون ليلى)، أما معظم أسماء الأماكن الموجودة في "ترجمان الأشواق" فيمكن العثور عليها في الشعر الجاهلي، غير أن ما يحدث هنا هو أبعد ما يكون عن التكرار البسيط أو الحنين للتقاليد البدوية القديمة، بل إنه بناء عوالم متوازية من  محطات التقاليد الشعرية العربية القديمة وتقاليد الحج.

كتب سيلز الكثير من المقالات والدراسات حول تجربة الشعر الصوفي، في ثقافات مختلفة: اليونانية والإسلامية والمسيحية واليهودية، كما وضع عدة كتب عن الإسلام منها "مقاربة القرآن: الوحي المبكر" (2007)، و"الدراسات القرآنية اليوم" (2016).

وعن الشعر العربي نشر ثلاثة مجلدات هي "تراكيب الصحراء: ستة ألوان عربية كلاسيكية" (1989) ويركز فيه على الشعر الجاهلي، و"محطات الرغبة" (2000)، و"الحائر" (2018) وكلاهما حول شعر ابن عربي. كما شارك في تأليف "تاريخ كامبردج للأدب العربي، الأندلس" (2000).

تشمل مؤلفاته عن التصوف وتاريخه واتجاهاته كتاب "التصوف الإسلامي المبكر (1996)، كما قدم العديد من الترجمات والتعليقات على المقاطع الصوفية، والحديث، والشعر العربي، والكتابات الصوفية القديمة. وقدم دراسة "اللغات الصوفية"(1994) وفيه طرح عدة قراءات في كتابات متصوفة وثيولوجيين من جنسيات وأزمان مختلفة منهم أفلوطين، وابن عربي، والإيرلندي جون ذا سكوت، والألماني مايستر إيكهارت، والفرنسية مارجريت بوريتي.

كتب سيلز عن علاقة الدين بالعنف في عدة مؤلفات، فنشر "خيانة الجسر: الدين والإبادة الجماعية في البوسنة" (1996)؛ و"الحروب الصليبية الجديدة: بناء العدو المسلم" (2004) و"إساءة استخدام الهولوكوست: قضية الحاج محمد أمين الحسيني" (2015).

المساهمون