"لم أرسم النكبة، بل كنت أرسم انطباعاتي عن فلسطين ولبنان، رسمت الثورة قبل انطلاقة الثورة"، يقول الفنان التشكيلي والنحات الفلسطيني توفيق عبد العال (1938 – 2002) في مقابلة معه تناول خلالها تجربته وموقعه ضمن جيل من الفنانين الفلسطينيين انطلق مشواره في خمسينيات القرن الماضي.
ويشير صاحب لوحة "أنشودة شعب"، في المقابلة ذاتها، إلى أنه كان يرسم بأسلوب انطباعي تجريدي، بدأ مع ألوان طباشير الباستيل، وفي لبنان حيث هجّر قسراً إليه عام 1948 بدأ يرسم بالماء والطبشور الملون وتعرّف إلى النحت، وانتقل بعدها إلى سوريالية تعتمد على الرمز.
"ترانيم البقاء" عنوان المعرض الاستعادي لعبد العال الذي افتتح في الثاني من الشهر الجاري في "متحف جامعة بيرزيت" بالقرب من مدينة رام الله، ويتواصل حتى الثلاثين من حزيران/ يونيو المقبل، بالتعاون مع "دار النمر" في بيروت، و"باب الدير- بيت لحم"، و"كلية الفنون والموسيقى والتصميم" في الجامعة.
يشتمل المعرض على مجموعة من أعمال الفنان الراحل، بعضها أعمال أصلية تم نقلها من لبنان وأخرى أعيد إنتاجها كنسخٍ من أعماله الأصلية كبيرة الحجم، بسبب صعوبة نقلها إلى فلسطين خشية تعرّضها إلى أيّة إجراءات غير متوقعة من قبل سلطات الاحتلال.
تعكس اللوحات مراحل متنوّعة من تجربة عبد العال في الرسم والنحت والتصوير الزيتي، حيث أعاد استكشاف مسقط رأسه؛ مدينة عكا المحتلّة، ضمن تكوين زخرفي لوني، ضمن أعمال تحتشد بالناس وأفعالهم اليومية وسط الأزرق الذي يمتدّ بحراً لا نهاية له، كما في لوحته "أحلام الصياد" (1966).
يتضمّن المعرض فيلماً وثائقياً مركباً يصوّر مشاهد للحياة اليومية في عكا وثلاثة مقابلات قصيرة، الأولى مع ابنه طارق عبد العال، والثانية مع فوزي بعلبكي تلميذه وصديقه، والثالثة مع قيّم المعرض الفنان ناصر سومي، مع عرض لبعض الصور التوثيقية وصور للوحات ومنحوتات، وقراءة لأجزاء من كتابات توفيق عبد العال وقصائده.
استعار الفنان في أعماله العديد من الرموز المستمدّة من تراث فلسطين وذاكرتها، ومنها نساء في زيّهن الشعبي والحصان والصبّار وأسراب الحمام، في استحضار للهوية والأرض والأمومة والخصوبة والحب، إضافة إلى منحوتاته الخشبية التي نفذها بأسلوب تقليدي وغلبت الرمزية على موضوعاتها.
في العام 1987، تعرض عبد العال إلى اعتداء من مسلحين في بيروت، ما أدّى إلى فقدانه البصر تدريجياً ليتوقّف عن العمل ويتحوّل حينها إلى كتابة الشعر حتى رحيله.