نقد أدبي "أجنبي"

24 سبتمبر 2018
عمل لـ جلال سيبهر/ إيران
+ الخط -

لقد مضى ما يقارب عقدين على الترويج لعملاق اسمه "النقد القائم على النظرية" في ساحة النقد الأدبي في إيران. والآن حين ننظر إلى النقد الأدبي الإيراني بعد عشرين عاماً ليس من الصعب تلمس بعض النتائج.

جاء سيلٌ من الترجمات المتلعثمة في النقد الأدبي والنظريات وجرف الجامعات ودور النشر وترك سرير الشح موحلاً يضمُّ عدداً كبيراً من المقالات عديمة القيمة وبعض المجلات الجامعية المُشوَّهة التي أرادت أن يكون لها دورٌ رئيسي وألا تتأخر عن ركب الحداثة والحضارة والكتب غير المفيدة والأطروحات القاحلة؛ وهؤلاء الذين اعتادوا العمل في النقد الأدبي من قبلُ، وكان لهم أثرٌ في النقد الأدبي في الصحافة في إيران ألقوا الأقلام جانباً وتركوا الساحة للقادمين الجدد الذين يستشهدون بآراء باشلار وباختين وجرفوا الأساتذة السابقين.

اتفق الجميع على فكرة أنه لم يكن لدينا نقد أدبي ولم يكن لدينا أي شيء؛ وأنَّ ما تم تقديمه للناس، قبل معرفة هذه النظريات وممارستها، لم يكن سوى "كشك لبن وعجين".

لكن الفيلة أنجبت الفئران. في السنوات العشرين الماضية لم ينتج عن النقد القائم على النظريات، سواء في شكل مقال أو في شكل كتاب، أدنى معرفة. لم يكن هناك إشعاع جديد على عمل أدبي ولم يتم فتح باب جديد على نص؛ كما لم تتم إضافة أي سرد كبير إلى السرود السابقة على الإطلاق.

عدد الأعمال التي جرى كتابتها بناءً على هذا الأسلوب قليلٌ جداً بحيث لا يمكن الاعتماد عليها؛ ما زال كتاب "قصة روح" لسيروس شميسا هو المفتاح لفهم صادق هدايت وكتاب "بيتي غائم" لتقي بورنامداريان هو الفاتح لأسرار نيما يوشيج. هذه أعمال أصيلة وقائمة على فهم ومعرفة مؤلفيها. وللأسف فإن الحلقة المفقودة والضائعة في صخب النظريات الشرقية والغربية هي هذه الأصالة.

أصبح نقدنا الأدبي بيئة بائسة وسوقاً لإظهار الحقارة وانعدام الثقة بالنفس وتقديم أوراق مختومة بختام مُنظِّرين لم يفكروا أبداً في أنَّ استخدام أسمائهم في إيران سيكون مخزياً إلى هذه الدرجة؛ وهذا لم يكن غريباً. فكلُّ شيء أجنبي جيد؛ الأحذية والمواد الغذائية والأجهزة المنزلية واللغة والنقد الأدبي أيضاً.

في أحد المؤتمرات، قدمتُ مقالاً في نقد إحدى قصائد فُرُوغ فرُّخْزاد وبعد انتهاء الاجتماع جاء أستاذ جامعي وقال: "اعتماداً على أيّ نظرية كتبتِ هذا النقد؟". أجبت: "على أساس رأيي. هذه هي قراءتي لهذه القصيدة" فقال: "لا يجوز ذلك. يجب أن يعتمد على النظرية". قلتُ:" كان لدي سؤال فقدمت نموذجاً وبناءً على ذلك النموذج حاولت الإجابة عن السؤال المطروح. هل تعتقد أن هذا السؤال والجواب كانا مستندين في الإطار الذي قدمته لهما؟ هل ترى السؤال في مكانه وهل حصلت على الجواب؟" قال: "نعم، ولكن"، قلت: "بدون لكن؛ أنت إذا تبينتَ ما قلته، فأنت أحد المتلقين لدراسة ما من بين دراسات لا حصر لها والذين يُبقون العمل الأدبي حيّاً".

إذا كان هناك عمل أدبي يتحدث إلينا ويمكن التعبير عن هذا الحديث في نظام جدلي ويظهر لنا زوايا النص فهذا هو نقد أدبي.

ليس من الضروري أن يقول ذلك شخصٌ آخر لك. النص يعبِّر عن نفسه لك ولآلاف من المتلقين المحتملين؛ وللجميع وبطريقةٍ ما وبيانٍ ما. والعجب كلَّ العجب أنَّه بأي لغة أسمعه فهو جديد. النص يخبرك عن نفسه وأنت تعبِّر عنه؛ هذا هو النقد الأدبي. هكذا يتساوى النقد الأدبي مع الحرية ومثل الأجنحة ينضمُّ إلى جسد التعددية وينقذ الأدبَ من احتكار المتولّين وعسس الأدب.

النقد الأدبي هو كسر أسوار الرواة الشموليين وإلغاء الاحتكار واعتناق السماوات التي لا يحتلُّ بعضُها مكانَ بعض. لا تلتصق بالأسماء ولا تتشبّث بالمدارس ولا تتوسل بالعديد من الاقتباسات من هذا أو ذاك. لا تخف من الإدلاء برأيك. مصداقية نقدك وحدها تأتي من وجهة نظرك وليس من النقل والاقتباس. النقد الأدبي هو ظرفُ الإبداع والإصالة. لا نملأه كما حياتنا بـ"إل جي" و"أديداس".


* كاتبة إيرانية، عن مجلة "بُخارا"، ترجمة من الفارسية: حمزة كوتي

المساهمون