"فوتوغراف رفعة الجادرجي": مقطع من حياة متواصلة

26 ديسمبر 2016
(أطفال يلعبون في بغداد القديمة، تصوير: رفعة الجادرجي)
+ الخط -

حين أُبلغ رفعة الجادردجي عام 1982 بقرار هدْم "نصب الجندي المجهول" الذي صمّمه في ساحة الفردوس في بغداد عام 1959، هرع المعماري العراقي حاملاً كاميراته ليوثّق مشهد تدمير واحدٍ من المشاريع التي أنجزها في مرحلة كان يتطلّع فيها إلى حداثة عراقية أساسها العمارة والفن، قبل أن يخبو الحلم نتيجة ما تعرّض إليه بلده من دمار وهزائم.

شُغف صاحب "كتاب الأخيصر والقصر البلوري" بالتصوير منذ طفولته، وقد ضمّن بعضها في كتبه التي ألّفها حول تجربته في المعمار، وأهدى بعضها الآخر لتلامذته، وهي تمتدّ خلال أكثر من ستين عاماً التقط خلالها قرابة الـ80 ألف صورة.

كتاب "فوتوغراف رفعة الجادرجي"، الذي صدر مؤخراً عن "دار المدى" ضمّ 69 عملاً فوتوغرافياً، تتنوّع في تسجيلها للحياة العراقية المعاصرة، حيث تركزّ بعضها على المهن والصناعات الحِرفية التي اشتهرت بها بغداد، وأخرى تظهر الأزياء وتبدُّل تصاميمها من فترة إلى أخرى، إضافة إلى صور وجوه لأناس عابرين في الشوارع أو الساحات العامة أو قرب الأبنية.

تحتشد التفاصيل في الصور التي يحرص صاحبها على دراسة حركة الإنسان داخل المكان، في رصد لتغيّر الإيقاع البشري ضمن أمكنة مختلفة، حيث يمكن ملاحظة الفوارق في حضور العنصر البشري في أوقات عمله وراحته، أو في وجوده في الأسواق والبيوت، أو في تأديته طقوس العبادة في الأماكن المقدّسة.

تطواف صاحب "شارع طه وهمرسمث" بين أحياء بغداد وحواريها، واهتمامه بأشغالهم وتصويره أدقّ حركاتهم ومراحل عملهم كما في الواقع من دون البحث عن زوايا تمنح الصورة هالة خاصةً أو بعداً تجميلياً باعتبارها مقطعاً من حياة متواصلة، وكأنها تحاكي مشروعه المعماري الذي ارتكز على حداثة العادي واليومي والبسيط في أعماله التي صمّمها في بغداد ومزجها برموز من العمارة العراقية التقليدية من دون إظهارها في سياق احتفائي.

يواصل المعماري التسعيني في كتابه التنقيب في التحوّلات الاجتماعية التي تؤثّر في العمران وحضور الإنسان في تجربة تجاوزت ستة عقود في المعمار والتنظير له.

يُذكر أن رفعة الجادرجي ولد في بغداد عام 1926، وتخرّج من "جامعة همرسمث للفنون" في لندن. وأصدر عدداً من المؤلّفات؛ من بينها: "صورة الجمال في وعي الإنسان"، و"صورة أب"، و"دور المعمار في حضارة الإنسان".

دلالات
المساهمون