مقاطع من الموَشّى

08 يناير 2019
آرش كريمي/ إيران
+ الخط -

يجب على المتأدّب اللبيب، والمتظرّف الأريب، المتخلّق بأخلاق الأدباء، والمتحلّي بحِلية الظرفاء، أن يعرف قبل هجومه على ما لا يعلمه، وقبل تعاطيه ما لا يفهمه، تبيُّنَ الظَّرف، وشرائع المودّة، وحدود الأدب، فإنه لا أدب لمن لا مروءة له، ولا مروءة لمن لا ظرف له، ولا ظرف لمن لا أدب له.


■ ■ ■


وشريطتنا على قارئ كتابنا: الإقصارُ عن طلب عيوب خطائِنا، والصفحُ عن ما يقف عليه من إغفالِنا، والتجاوزُ عن ما ينتهي إليها إهمالنا، وإن أدّاه التصفُّح إلى صوابٍ نشرَه، أو إلى خطأ ستره، لأنه قد تقدّمنا بالإقرار، ولا بدّ للإنسان من زللٍ وعثار، وليس كلّ الأدب عرفناه، ولا كلّ العلم رويناه، وعلينا في ذلك الاجتهاد...


■ ■ ■


وقلّ ما نجا مؤلّفٌ لكتاب من راصد بمكيدة، أو باحث عن خطيئة، وقد كان يُقال: من ألّف كتاباً فقد استشرف، وإذا ما أصاب فقد استهدف، وإذا ما أخطأ فقد استُقذف، وكان يقال: لا يزال الرجل في فسحةٍ من عقله ما لم يقل شعراً أو يضع كتاباً.


■ ■ ■


على أنه لا بد للحاسد، وإن لم يجد سبيلاً إلى وَهْنٍ، ولا سبياً إلى طَعْنٍ، أن يحتال لذلك بحسب ما رُكّب عليه طبعُه، وتضمّنه صدرُه، حتى يخلص إلى غفلة، أو يصل إلى زلّة، فيتشبّثُ بالمعنى الحقير، ويتسبّبُ بالحرف الصغير، إلى ذكر المثالب، وتغطية المناقب.


■ ■ ■


حقيق على الأديب أن يخزن لسانه عن نطقه، ولا يرسله في غير حقه، وأن ينطق بعلم، وينصت بحلم، ولا يعجل في الجواب، ولا يهجم على الخطاب، وإن رأى أحداً هو أعلم منه نصت لاستماع الفائدة منه، وتحذّر من الزلل والسقط، وتحفّظ من العيوب والغلط، ولم يتكلم في ما لا يعلم، ولم يناظر في ما لا يفهم.


■ ■ ■


قال لي فلان: قصّرتُ وعرفتُ، ثم قالي لي: يا رؤبة عساك مثل أقوام إن سكتُّ لم يسألوني وإن تكلّمتُ لم يعوا عني، قلت: أرجو أن أكون كذلك، قال: فما أعداء المروّة، قلت: تُخبرني: قال: بنو عم السوء، إن رأوا خيراً ستروه، وإن رأوا شرّاً أذاعوه.


■ ■ ■


وأصدّر كتابي هذا، مستعينا بالله، راغبا إليه، بذكر الأدب وصفته، وما يحتاج إلى معرفته، وأشفّعه بأشياء يستحسنها الأديب ويرغب في دراستها الأريب.


* من "خطبة الكتاب"، أي مقدّمة كتاب "الظرف والظرفاء" أو "المُوَشّى" لمحمد بن إسحاق بن يحيى المعروف بالوشاء، تُوفّي 937 ميلادية.

دلالات
المساهمون