قبل أن ينطلق "المعرض الدولي للنشر والكتاب" في الدار البيضاء، أول أمس الخميس، سبقته بأيام تصريحات صحافية لوزير الثقافة المغربي محمد الأمين الصبيحي، عن أن المعرض لن يسمح بعرض كتب تدعو إلى الكراهية والتطرّف، وأن هذا النوع من الإصدارات لا مكان له داخل المعرض، مرحّباً بالمؤلّفات التي تدعو إلى قيم الحوار والتعايش بين الشعوب والثقافات المختلفة.
وأكد الوزير المغربي أنه وبالرغم من الحديث عن رواج الكتب الدينية في المعرض أكثر من المصنّفات الأخرى، لكن الأرقام تقول غير ذلك، فالحقيقة أن هذه الفئة من الكتب تمثل ما نسبته 8% فقط من كتب المعرض، في حين تنال كتب الأدب الحصة الأوفر، وتصل إلى 24% من الكتب، وتليها كتب الأطفال بنسبة 17%.
من جهة أخرى، جاءت أجواء "المعرض الدولي للنشر والكتاب"، متماشية مع المناخ السياسي العام في البلاد، حيث عادت المملكة مؤخراً إلى "منظمة الاتحاد الأفريقي"؛ من هنا دعا المعرض، المتواصل حتى 19 من الشهر الجاري، دول المجموعة الاقتصادية لوسط أفريقيا ضيوف شرف الدورة الحالية، إلى جانب حضور أربعين ناشر من أفريقيا، واستضافة ثماني كاتبات من أفريقيا الوسطى. الدورة الثالثة والعشرين، تشهد أيضاً مشاركة أكثر من سبعمئة دار نشر من 54 بلداً، تقدّم ما يفوق على المئة ألف عنوان في أزيد من ثلاثة ملايين نسخة.
في حديث إلى "العربي الجديد"، يقول الكاتب المغربي مصطفى لغتيري، إن المعرض الدولي للكتاب والنشر في الدار البيضاء أصبح سبباً في زيادة الكتب الصادرة من دور النشر المختلفة مع كل موعد سنوي جديد، تؤهله لذلك أسباب عدة؛ "فقد بات يمثّل الدخول الثقافي الحقيقي في المغرب، ومن خلاله يمكن التعرّف على الإصدارات الجديدة لدور النشر المغربية والعربية".
ويضيف لغتيري أن المعرض يعدّ مناسبة ملائمة لالتقاء المثقفين في ما بينهم، فضلاً عن لقائهم بالقراء، في غياب ندوات ومحاضرات تنظم على طول العام، تتيح للكتاب طرح أفكارهم والتعريف بجديدهم لدى القراء والمتتبعين، كما أنه يكون مناسبة سانحة لوسائل الإعلام لإثارة الانتباه لمشاكل النشر وقضاياه، عبر مقالات وبرامج متخصصة.
ويرى صاحب "الأطلسي التائه" أن المعرض مع السنوات والتجربة تطوّر في التنظيم، فضلاً عن الحرص على تنوع في البرنامج الثقافي الموازي، الذي ينفتح تدريجياً على فئات من الكتاب، خصوصاً الشباب منهم. وتابع لغتيري أن المعرض قد كسب رهان الانفتاح على الجديد في الإصدارات، فاختفت ظاهرة "إغراق المعرض بالكتب القديمة"، وفق تعبيره.
أما بخصوص السلبيات التي تتكرّر عاماً بعد عام، فعلى رأسها مسألة أسعار الكتب التي تعرف ارتفاعاً غير مبرر، لا يراعي القدرة الشرائية للمواطن المغربي، وهذا عائق حقيقي، يتعين الانكباب عليه بجدية معقولة، إذ يقترح الكاتب إنشاء لجنة تقنية تحدّد أثمان الكتب، إلى جانب تفعيل لجنة مراقبة الأسعار، بحيث لا يترك الأمر للعارض يحدّد الثمن حسب هواه.
بدوره، يوافق الشاعر المغربي عبد الدين حمروش لغتيري في موضوع غلاء الكتب، ويعزوه في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أسعار الورق، إضافة إلى مشكلة الحواجز الجمركية، ما يجعل من زيارة المعارض لا تنتهي باقتناء الجديد من المؤلفات في الكثير من الأحيان.
وسجل حمروش عاملاً آخر يقف دون تحقيق الهدف من عقد مثل هذه المعارض، وهو انتشار ثقافة المعلوماتية، باعتبارها ثقافة للصورة، في المقام الأول، معتبراً أن الكتاب الإلكتروني وتقليبه على المواقع حلّ محلّ تقليب صفحات الكتب؛ ما يفسد متعة زيارة المعارض.
وقال الشاعر المغربي إن تنظيم معارض الكتاب في الوطن العربي، يطرح أكثر من تحدّ. ففي معظم الدول العربية، حيث تسود الأمية الثقافية بشكل كبير، يبقى انعقاد دورات لمعرض الكتاب دون تحقيق النتائج المطلوبة، موضحاً أن هذا الأمر يبرز ارتباط "التعليم" بـ"الثقافة".
وبحسب حمروش، فإن "الحديث عن تنمية ثقافية، ومعرض الكتاب أحد أوجهها، هو غير ذي معنى، في غياب مؤسسات تعليمية ناجحة في مسار تكوينها للمواطنين، فواقع الحال يؤكد تضافر الأمية التعليمية مع الأمية الثقافية، بما يجعل المراهنة على الإقلاع الاقتصادي الاجتماعي قبض ريح". من هنا، يشير حمروش إلى أن "تقييم معرض الكتاب ينبغي أن ينطلق من تحليل السياسات التعليمية والثقافية الموضوعة، مع الشك في وجود هذه السياسات أصلاً"، لافتاً إلى أن إقامة وزيارة معارض الكتاب لدينا تظل تقليداً غربياً بامتياز، ومجرد سوق للبيع والشراء بالدرجة الأولى.
"وباستثناء الاحتفاء الرمزي بالكتاب، إضافة إلى التواصل الإنساني بين الكُتّاب، فإن معارض الكتاب في المغرب، والوطن العربي عموماً، تظاهرات تعرف نكوصاً مستمراً"، يردف حمروش، معتبراً أن هذا يعني "غياب المراهنة على المواطن، باعتباره الأساس لأية تنمية، في ظلّ التبخيس المستمر من أهمية البعد الثقافي، ما يؤدي إلى انتشار التطرف والجهل والتقهقر في سلم رقي الشعوب وازدهارها".