"اللحظة الممتدة": الماضي يصنع الحاضر ضوئياً

27 مايو 2018
("أيام الكساد الكبير"، تصوير: ووكر إيفانز)
+ الخط -

بأسلوب التجاور الموحي المثير للفكر، يقام في مدينة أوتاوا الكندية معرض للصور "الفوتوغرافية" أو معرض للكتابة بالضوء، حسب معنى هذه الكلمة الإغريقي الأصل، عنوانه "اللحظة الممتدة: خمسون عاماً من تجميع الصور الضوئية". المعرض من إعداد "معهد التصوير الضوئي الكندي"، وينتظم في "صالة كندا الوطنية للعروض الفنية"، وقد تم افتتاحه في الرابع من الشهر الحالي، على أن يتواصل حتى 16 أيلول/سبتمبر 2018.

صور المعرض مقتطفة من عمل أكثر من 100 فنان، بعضها يعرض لأول مرة، وتظهر قدرة هذا الفن على عكس روح زمنها، وفي الوقت نفسه قدرته على تسجيل عوالم المصوّر الضوئي المرئية وغير المرئية.

يعدّ التصوير الضوئي أكثر ابتكارات الثورة الصناعية قدرة على إحداث التحوّلات، فقد تغيّر الفن والتواصل دفعة واحدة وإلى الأبد بظهور هذا النوع من التصوير. والمعرض لا يكتفي برواية قصة خمسين عاماً شهدت نشاط المعهد الكندي، بل يجعل مسار هذا الوسيط الفني منذ أيامه الأولى وحتى الوقت الراهن جلياً. إنها رحلة تشهد على انتقالات مميزة في قراءة وإبداع الصور الضوئية.

بالإضافة إلى ذلك، يكشف المعرض كيف أن المصورين الضوئيين في مختلف المراحل الزمنية هم صنيعة أسلافهم، ويستكشف دور المصور كأداة تروي حكاية، أو بعبارة أخرى، الكيفية التي يؤثر فيها الماضي على الحاضر عبر هذا الوسيط الضوئي.

البارز في المعرض مختارات من بين 151 عملا، ومجموعتين، و25 استقراءً لمصورين مشهورين من أمثال الكندية الأميركية لين كوين (1944- 2014)، والكنديتين مرغريت واتكنز (1884- 1969) وإيزابيل إيو (1969)، والأميركيين هارولد آجرتون (1903- 1990) وووكر إيفانز (1903- 1975)، إضافة إلى آخرين مثل الصيني تشان وان (1965)، وأعمال بارزة لمصورين أفارقة معاصرين مثل الكونغولي سمي بالوجي (1978) والجنوب أفريقي زانيل ماهولي (1972).

تُرجع أمينة المعرض، آن توماس، الفضل في سعة المجموعة المعروضة، إلى الأمناء السابقين وزملائها الذين تعاونوا على جعل المعروضات ذات طابع عالمي من ناحية عمق المحتوى وثرائه. وفي الحديث عن التحديات التي واجهتهم تشير إلى اثنين: الأول، اختيار ما مقداره 200 عمل من بين ما يقارب 200 ألف عمل. والثاني، كيفية تنظيم الصور المختارة بحيث يكون العرض مفهوماً ومثقفاً لأفهام زوار المعرض بالغرض من تجميع هذه الصور الضوئية بشكل عام، وفي الوقت نفسه توفير بصيرة في الصورة وتاريخها. ومن هنا سادت المختارات وطريقة العرض نظرة ترى في فن التصوير الضوئي وسيطاً دائم التطور لا يتوقف عند منعطف إلا ليتقدم مجدداً.

الصورة البارزة هنا لمصورين يمكن أن نطلق عليهم لقب "فناني الضوء"، أولئك الذين يرسمون بأداة مختلفة عن أدوات الرسم الأخرى، القلم والريشة. فنانون يحتاج فنهم إلى مادة حساسة للضوء، إلى معدات بصرية، وحجرات معتمة، وقدرة على تثبيت صورة بحيث لا تتلاشى. وحدوث هذا، وتاريخه، يتقدم في نسيج واحد مع فهمنا لمكاننا في النظام الشمسي وفي الكون.

وفي ضوء هذا، تطور الفهم العلمي المعاصر للضوء متسقاً مع تطور آلة التصوير، جاعلاً من فن التصوير الضوئي شكلاً فنياً فريداً لا ينفصل عن التطور العلمي. وأقرب مثال هو ظهور التصوير الضوئي الرقمي كأحد نتائج اكتشاف فيزياء الكوانتم، وبالتحديد نتيجة استبصارات عدد من الفيزيائيين من أمثال ماكس بلانك (1858- 1947) ونيلز بور (1885- 1962)، وفيرنر هايزنبرغ (1901- 1976).

هذا التاريخ، وما يرتبط به من تقدّم تقاني في صناعة الأجهزة البصرية، وإنتاج آلات التصوير، كان له تأثير على طرائق رؤية الناس للصور، فحتى عام 1960 من القرن الماضي، كانت غالبية الصور الضوئية تطبع باللونين الأبيض والأسود، وفي الستينيات بدأت تنتشر آلات التصوير التي يمكنها طباعة أفلام ملوّنة، خاصة مع ظهور آلة تصوير استقطاب الضوء (بولارويد) التي اخترعها الأميركي إدوين لاند ( 1909-1991)، وهي آلة يمكنها طباعة صورة ملونة وإخراجها مباشرة من آلة التصوير بعد بضع دقائق من التقاطها، إلى أن ظهر التصوير الضوئي الرقمي مع مطلع الألفية الثالثة.

بدأ تجميع صور معهد التصوير الضوئي الكندي "رسمياً" منذ عام 1967. قبل ذلك كان نهج التجميع أقل انتظاماً. المعرض، بوضعه الحالي، يبرز أعمال تصوير تم جمعها بين العامين 1967 و2017، انصب خلالها جهد العاملين الأكبر على تمثيل التغيرات التي ألمّت بهذا الوسيط، وتسليط الضوء على التباين بين القديم والجديد. ولهذا جاء تنظيم المعرض وفق سبع أفكار رئيسية هي: محادثات في الزمن، ثم الفن وعلم الابتكار، واستكشاف واكتشاف، وأداة للكشف، ثم الإعلان، وتصوير الشخصيات، وأخيراً إبداع حكايات جديدة.

مع تنوّع وسائط العرض ما بين أفلام وصور مطبوعة على وسائط مختلفة تراوحت بين ألواح فضية ومعدنية وصور أحادية اللون وأخرى ثرية بألوانها، جاور المعرض بين صور تاريخية تمتد على مدى 180 عاما وبين صور معاصرة، مبتكراً بذلك مشهد تفاعل بصريا متبادلا بين ماض وحاضر محرضا للفكر والمخيلة، ومؤكداً على الكيفية التي تتبادل فيها الأزمان صناعة بعضها بعضاً، وعلى التلازم بين التقدم العلمي والفني.

دلالات
المساهمون