بعد ثلاثة أشهر على افتتاحه الذي تأجّل مرّات عدّة، يقام في "المتحف الفلسطيني" في مدينة بيرزيت معرض بعنوان "تحيا القدس" الذي افتتح أوّل أمس، ويتواصل حتى الخامس عشر من كانون الأول/ ديسمبر المقبل. وكما أحاط تأسيس المتحف تساؤلات لا إجابة عنها إلى اليوم، فإن الأمر ذاته يتكرّر مع إطلاق معرضه الأوّل.
الطريف أن المعرض الذي ينتخب بعض الأسماء الطافية على خارطة الفن المعولم، لا يجد المتابع بين مشاركيه فنانين عرباً ممن قدموا أعمالاً أساسية عن القدس، وما يبعث على الاستهجان مثلاً ورود اسم سلطان عبد العزيز آل سعود فيها، علماً بأن الأمير السعودي لا تعرف له أعمال فنية، كما تشير التسريبات إلى أن جزءاً من الأعمال المشاركة تُعرض من دون استئذان أصحابها. وعندما يتعلق الأمر بفناني القدس نجد تغييباً لأسماء فنية وازنة من المدينة المحتلة، قدمّت أعمالاً أساسياً حولها.
يفترض المنظّمون أن "فكرة" المعرض تعبّر عنها أربعة مقاطع، الأول يوضّح انبعاث العولمة وآثارها وقيودها في مدينة القدس من خلال المواد السّمعيّة – البصريّة، في حين أن المعرض نفسه يبدو إفرازاً معولماً في خياراته وفي عدم معرفته لخارطة الفن العربي المعاصر وفي ذلك التوجه الذي ليس من المبالغة وصفه بالاستشراقي. أمّا الثاني فيشتمل 18 عملاً فنّياً عالمياً جرى تكليف أصحابها بعملها (أو بالأحرى إعادة إنتاجها)، لتُثبّت في حديقة المتحف ومساحاته الخارجيّة.
لم تُحدّد الرؤية أو الآلية التي حكمت اختيار هذه الأعمال، ولا كيف صنّفت بكونها "عالمية"، ولا لماذا أعيد إنتاج بعضها؛ كلّها معلومات كانت غائبة عن المؤتمر الصحافي للإعلان عن المعرض، وعن الموقع الإلكتروني للمتحف.
في المقطع الثالث يجري الحديث (والحديث لا ضرائب عليه كما يقال)، عن "مبادرةً" مبنيّة على "خلق شبكة من العلاقات المهنية والحوار مع مؤسّسات مدنية وغير حكومية تبنّت منهجية نضال جمعية طويلة الأمد داخل القدس"، تنطلق عبرها "المبادرة" في تنفيذ "سلسلة من المشاريع طويلة الأمد"، وفات القائمين على المعرض الإفصاح عن هذه المشاريع وكيف ستكون طويلة الأمد، وبالطبع تبقى عملية انتخاب هذه المؤسّسات غير معلومة وواضحة.
ينسحب الأمر ذاته على المقطع الأخير الذي يتحدث عن طبعة مزمعة من مجلّة "حوليّات القدس"، "تتناول حياة بعض أهمّ الشّخصيّات المقدسية"، فلم تُعدّد هذه الشخصيات والرمزية التي تمثّلها.
نقاط عدّة تستدعي التوضيخ وإزالة اللبس عنها، خاصة أن قيّمي المعرض أكّدوا في بيانهم على "الابتعاد عن الكليشيهات"، مقترحين إجابات عن جملة أسئلة طرحوها وفي مقدّمتها: "هل بمقدور عنوان مثل تحيا القدس أن ينتقل من مجرّد كونه شعاراً إلى تمثيلٍ لمحتوى حقيقي ودعمٍ للحياة في المدينة؟ وما هي حكايا المقاومة الجمعية؟ وكيف نساهم في إحياء القدس؟". ولعل "إحياء القدس" هو أكثر الكليشيهات تعمية، حين يجري الحديث عن مدينة محتلة.
بعد 19 عاماً شهدت عقبات ومشاكل إدارية، رأى "المتحف الفلسطيني" النور هذا العام بتكلفة جاوزت 28 مليون دولار، الذي يبدو مبلغاً كبيراً إذا ما علمنا أن المبنى يخلو إلى اليوم من المقتنيات، إضافة إلى أن تركيز مسؤوليه تتمحور على مشاريع شكلانية، ولا تضيف شيئاً إلى متحف يفترض به أن يقاوم عبر الفن، ويحفظ الذاكرة، ويجترح اقتراحات بصرية من شأنها أن تنتسب إلى فلسطين وتصبّ في مشروع تحرّرها الوطني في البدء وفي النهاية.