مفكرة المترجم: مع ندى غصن

07 ديسمبر 2018
(ندى غُصن)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات العالمية المختلفة اليوم.


■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟ وما أول كتاب ترجمته وكيف جرى تلقيه؟
- أحببت الكتابة منذ الصغر. خلال دراستي الجامعية في الأدب العربي، أخذت أكتشف موهبتي في ترجمة النصوص الأدبية، لكتاب وشعراء عرب مثل محمود درويش وآخرين. شجعني ذلك على التقدّم إلى دار النشر "آكت سود" (Actes Sud) لترجمة رواية حسن داوود "غناء البطريق". وافق مدير سلسلة "سندباد" وجرى الاهتمام بالكتاب من قبل المهرجانات الكبرى والمجلات الأدبية في فرنسا.


■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجمين الآن؟
- ترجمت مؤخراً العديد من القصص القصيرة لمؤلفين لبنانيين. في الوقت الحالي، أعمل على ترجمة فيلم سوري بالإضافة إلى كتابة مواد حول تاريخ الإسلام لمؤسسة فرنسية. أحب أن أظل منفتحة على مجالات مختلفة: الأدب، الفنون البصرية، السينما، المسرح، أو حتى العلوم الإنسانية. هذا الحوار بين التخصصات يثري تجربتي كمترجمة. لذلك قمت بتأسيس منصة "word world" للترجمة والكتابة وإدارة المشاريع الثقافية.


■ ما العقبات التي تواجهك كمترجمة من اللغة العربية؟
- الناشرون الفرنسيون لا يعطون الاهتمام الكافي للأدب العربي. بينما يهتم القراء هنا بشكل رئيسي بالأدب الإنكليزي. لا تزال فرنسا تتبع الثقافة الأنكلوسكسونية وهذا يؤثر على عدد الأعمال المترجمة من العربية. وإذا كانت رواسب العلاقة التاريخية بين فرنسا والعالم العربي هي السبب في عدم الانفتاح اليوم، فقد تصبح هذه العلاقة عامل اهتمام يوماً ما.


■ نلاحظ أن الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معينين، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي، كيف تنظرين إلى هذا الأمر وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟
- في كل عام، نسمع أنه سيتم تخصيص المزيد من الأموال والدعم، لكننا نلاحظ أنه هذا يقتصر على الترجمة من الفرنسية إلى العربية وليس العكس. لذا يجب علينا تغيير علاقة الهيمنة مع المنطقة العربية، والاعتراف بأن هناك ما نتعلمه من إنتاجها الفكري. وهذا يعني تغيير العقلية التي تبدأ على المستوى السياسي والمؤسساتي. يجب أن ندرك إهمالنا ونقبل الانفتاح (وأنا هنا أتحدث عن الوسط الثقافي الفرنسي). سوف يتابع ويهتم القرّاء إذا تغيّر المناخ العام وإذا عرف الناشرون كيفية الوصول إليه.


■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
- تختلف العلاقة مع كل ناشر. البعض لا يتدخل مطلقا في النص، والبعض الآخر يشارك بشكل كامل في العمل. من المهم بناء علاقة ثقة ولكني أعتقد أنها مهمة طويلة الأمد.


■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمينها، وإلى أي درجة تتوقفين عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
- عدد الأعمال الأدبية المترجمة كل سنة من العربية محدود للغاية. الجمهور لا يذهب مباشرة إلى مؤلفي هذه المنطقة، إلا إذا كانوا معروفين بالفعل من خلال وسائل الإعلام. لهذا، نجده يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأخبار السياسية. المواقف التي يتخذها الكاتب مهمة جداً لأنها ستكون جزءاً من النقاش الموجود بالفعل في فرنسا أو (في حالات نادرة) ستكون موضوعاً للنقاش.


■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجمين له؟
- معظم الوقت، الاتصال مع المؤلف يسبق الارتباط مع الناشر. إما أحب وأختار أن أُدافع عن مؤلف لا يعرفه الناشر، أو أن الناشر يعرفه من قبل وينوي ترجمته، وحينها أتقدّم بنموذج تجريبي لترجمة كتابه. يمكن للمؤلف أن يتدخل مع الناشر لدعمي، ولكن في كلتا الحالتين، يجب على المترجم إقناع المؤلف والناشر. في بعض الحالات، يتصل الناشر بالمؤلف، ويوجه المؤلف إلى مترجم يعرفه أو لديه خبرة ناجحة معه. لذلك، فالصلة مع المؤلف حاسمة.


■ كثيراً ما يكون المترجم كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
- سواء أحبها أم لا، كل مترجم له أسلوبه الخاص. الترجمة هي محاولة استعادة القدر المستطاع من أسلوب الكتابة، حتى لو ظهرت عوامل أخرى مثل طريقة التعبير في لغة الوصول، وخط التحرير لدى دار النشر، والجمهور المستهدف... إلخ. يجب أن نفهم قلم المؤلف، ونفهم ما يحاول القيام به مع اللغة، أي كيف يفكر باللغة.


■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسيرين وفقها كمترجمة، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
- تتطلب الترجمة استعادة المعنى الضمني. لذلك، من الضروري وضع نفسي في رأس المؤلف. إذا لم أتمكن من حل مشكلة، أتصل بالمؤلف مباشرةً لأسأله عندما يكون ذلك ممكنا. هناك أحيانًا أشياء غير قابلة للترجمة أو يتعذر الوصول إليها لقارئ من ثقافة أخرى، وأحاول قدر المستطاع شرحها بوضعها في سياقها. الترجمة هي أيضا عمل اثنولوجي.


■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
- غالباً ما يكون وقت التسليم قصير والمترجم مشغولاً بأعمال أخرى للقيام بعمل مثالي. وعلاوة على ذلك، فقد غرق في النص لدرجة أنه لم يعد لديه المنظور الضروري. إذا لم يقم الناشر أو المحرر بمهمة إعادة القراءة والتصحيح، فقد يؤدي ذلك إلى نتائج سيئة. نحن دائمًا بحاجة إلى عين خارجية وطالما لا يقرأ أحد النص، فهو غير قابل للنشر في رأيي. لا يمكن للمترجم أن يكون الوحيد الذي يحمل وزن كل كلمة. أرى عملي كمساهمة ضمن عملية كبيرة.


■ ما الذي تتمنينه للترجمة من اللغة العربية وما هو حلمك كمترجمة؟
- أتمنى أن يكون هناك المزيد من الأعمال المترجمة من اللغة العربية، وأن يثير أدب هذه المنطقة الاهتمام المستحق كحال الأدب الناطق باللغة الإنكليزية أو الناطق باللغة الإسبانية. هذا يتطلب العمل بلا هوادة من أجل ترويج أفضل حتى لو تطلب ذلك تغيير العقليات. يتم حاليا إنشاء مبادرات خاصة للتغلب على بعض المعوقات في فرنسا. أحلم أن تؤدي إلى نتائج ملموسة.


■ ما هي المزايا الأساسية للأدب العربي ولماذا من المهم أن يصل إلى العالم؟
- أعتقد أنه من الضروري أولاً وقبل كل شيء محاربة الكليشيهات. ما هي خصوصيات الأدب الفرنسي؟ الأدب يتجاوز الحدود ويخص العالمية. إذا نظرنا إلى تاريخ الأدب العربي من الجاهلية حتى اليوم، نجد تنوعا هائلا. شهدت كل حقبة أنواعاً أدبية مختلفة جداً، تتراوح من الأكثر تحفظاً إلى أكثرها انفتاحاً. أريد للجمهور الفرنسي أن يعرف هذا التنوع والاختلاف في الأدب العربي.


بطاقة
مترجمة لبنانية فرنسية من مواليد عام 1978 في بواسي بفرنسا. ترجمت العديد من المسرحيات، والمجموعات الشعرية، والسيناريوهات السينمائية، والمقالات والروايات، منها: "غناء البطريق" لـ حسن داوود (الصورة، 2007)، و"الرهينة" لـ زيد مطيع دماج (2013)، و"بيروت نوار" (Beyrouth Noir) وهو كتاب يضمّ قصصاً قصيرة لمجموعة من الكتّاب اللبنانيين، حررته إيمان حميدان وصدر عام 2017.

المساهمون