حدث يدفعنا إلى مراجعة علاقتنا بالعالم الافتراضي

28 مارس 2020
من الرباط في 25 آذار/مارس الجاري (Getty)
+ الخط -

ابتداءً من هذا الأسبوع، وجدت الصحفُ الورقية المغربية نفسَها مجبرةً على تبنّي وسائل بديلة للوصول إلى قرّائها، بعد أنْ عانت في الأسابيع القليلة الماضية من تراجع المبيعات والإعلانات. وفور صدور قرار وزارة الثقافة والشباب والرياضة، الأحد الماضي، والذي يدعو إلى وقف إصدار النسخ الورقية من الجرائد الوطنية، تزامناً مع إعلان حالة الطوارئ وبدء سريان إجراءات الحجر الصحّي في البلاد، بات واضحاً أنّ الانتقال إلى النشر الرقمي أصبح ضرورةً ملحّة، وإن كان المشهد الإعلاميُّ المغربي غير مُعدٍّ له.

يفرض الوضع الصحّي الذي يمرّ به العالمُ اليوم، والمغربُ ليس استثناءً هنا، انتقالاً سريعاً إلى الفضاء الرقمي، خصوصاً أنَّ هذا الوضع لا يبدو مُحدَّداً بسقفٍ زمني معيَّن. ولعلَّ هذا الرهان يُقدّم صورةً عمّا سيكون عليه شكل الصحافة في المستقبل المنظور؛ حيثُ الرقمنة حاجة ماسة وليست مجرّد توسّع تكنولوجي.

وتُعيد هذه التحوّلات المتسارعة التي فرضتها سرعة تفشّي فيروس كورونا طرح السؤال حول طبيعة علاقتنا بالعالم الرقمي، ليس كما نتمثّله ولا كما نوظّفه في حياتنا اليومية والعملية فحسب؛ إذ لا يرتبط الأمرُ بالجرائد الورقية فحسب، بل ينسحب أيضاً على بقية الإصدارات الورقية من كتبٍ ومجلّات. هذا السؤال ليس وليد الساعة بالتأكيد، إذ استهلك ما يكفي من النقاش، لكنّه يأتي في ظرفٍ المختلفُ فيه أنَّ هذا التحوُّل قسريٌّ، وينبغي أنْ يكون مستمرّاً، ولا يتوقّف مع انتهاء هذا الظرف الطارئ.

لا يرتبط تفشّي كوفيد 19 بالمجال الصحي فحسب ولا بطبيعة التغييرات التي يفرضها على مجالات العلم والأدب والسياسة والاقتصاد والمجتمع فحسب. كوّة أخرى فتحها كورونا تتعلّق بطبيعة الوجود نفسه، وبعلاقاتنا مع البداهة. الرقمنة تتجاوزها. تعوّدنا على "مضادات الفيروسات" في عوالمها. في كل مرّة نبحث عن مضاد فعّال يحمي أرشيفنا وكتاباتنا، ليس خوفاً عليها من الانمحاء ويديم اتصالنا بالعالم. كنّا نختار فضاءً يستطيع وصلنا بكل شيء.

الفيروس أمسى يُهدّد كيان الوجود في الواقع، لكن هذا التهديد أقل ضراوة على وجودنا في العالم الرقمي، الذي وللمفارقة صار الفضاء الآمن للتواصل وإعادة توليد الحياة. ورغم أن الواقع الحالي يهدّده بالزوال ما زال الإنسان يشعر بالأمان وهو يُبحر في عوالم رحبة لا حدود لها في العالم الرقمي. العالم اليوم، وهو يخطو في صراعه المرير ضد المرض، أضحى وجودُه الواقعي سؤالَه الصعب، السؤال الذي يشغله.

هل يتحوّل العالم الافتراضي إلى بديل مؤقت أم قد تحوّل بالفعل؟ وهل ستُخضع الجرائد المغربية ومثيلاتها العربية مستقبلَها للواقع الرقمي الجديد، بما يتجاوز هذه المرحلة الانتقالية؟ ما يجري اليوم يشير إلى أسئلة وجودية أكبر تدفعنا إلى مراجعة علاقتنا بالواقع وبالعالم الافتراضي. سؤال الوجود لم يعد الغرض منه التفكير في ضمان فرضية البقاء.

المساهمون