"وساطة أسريّة" في المغرب بدلاً من الطلاق

13 يونيو 2016
عائلة مغربية تمرح على الشاطئ (عبد الحق سنا/فرانس برس)
+ الخط -
في المغرب العديد من المراكز والمؤسّسات التي تلعب دور الوسيط الأسري، بهدف فض النزاعات بين الأزواج. إلّا أن هذا الدور ما زال ضعيفاً. وتبذل وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية جهوداً كبيرة لدعم هذه المؤسسات في البلاد، وصولاً إلى النهوض بخدماتها، وقد أعدّت برنامجاً لتطوير خدمات الوساطة الأسرية بهدف دعم إنشاء مراكز مماثلة في مختلف المناطق، وتطوير العمل بتقنيات ووسائل الوساطة الأسرية.

ويقول عضو المركز الدولي للوساطة والتحكيم في الرباط عبد الإله الخضري إن مؤسسة الزواج تعدّ نواة المجتمع والحاضن الطبيعي الذي ينشأ في كنفه الطفل. لكن في ظلّ التغيّرات التي طرأت على نمط الحياة، باتت الصراعات والنزاعات داخل الأسر كثيرة وأكثر تعقيداً، حتى أنها تهدّد هذه النواة. ويوضح لـ "العربي الجديد" أن أهمية الوساطة الأسرية في المجتمع المغربي تتجلّى في كونها وسيلة بديلة للتخفيف من النزاعات التي تعاني منها العديد من الأسر، ونزع فتيل الصراع بين الأزواج، وتفادي اللجوء إلى القضاء لإنهاء العلاقة بشكل تام. يضيف أن الوساطة الأسرية في المغرب لم تصل إلى المستوى المطلوب بعد، قياساً مع حجم المعاناة داخل الأسر، وحاجة المجتمع لهذا النمط من الوساطة الاجتماعية، لافتاً إلى أن العديد من الأسر المغربية لم تدرك بعد أهمية الوساطة.

يتابع الخضري أن مبادرات الصلح التقليدية باتت متواضعة في ظل تعقيدات العلاقة بين الأسر من جهة، وبين الأقارب والجيران من جهة أخرى، بالتالي يختار الأزواج اللجوء إلى القضاء. ويطالب بالعمل على مأسسة الوساطة الأسرية ودعم الهيئات والمؤسسات التي تساهم في فض النزاعات، من خلال عقد شراكات حقيقية مع كل من وزارة التضامن والأسرة ووزارة العدل والحريات. ويلفت إلى أهمية أن يشجع القضاء الأسر المغربية على اللجوء إلى هيئات الوساطة، ما يتيح للأسر الفقيرة فض النزاعات من دون تكاليف تفوق طاقتهم".
ويشدّد الخضري على ضرورة الاستعانة بمتخصّصين في الوساطة الأسرية والاجتماعية في مراكز التكوين المهني والتقني، بالإضافة إلى مؤسسات الوساطة ومراكز الاستماع ومخافر الشرطة والمؤسسات القضائية.

من جهتها، تقول فوزية غزرني، وهي ناشطة في أحد مراكز الوساطة الأسرية، لـ "العربي الجديد"، إن عملها في مجال الوساطة الأسرية جعلها تدرك أن الكثير من النزاعات بين الأزواج يمكنها أن تصل إلى حل سلمي بدلاً من خيار الطلاق واللجوء إلى المحاكم. وترى أن الوساطة الأسرية تخفف عن الزوجين والدولة الكثير من الأعباء والمسؤوليات والتكاليف، وتحمي الأسرة والأطفال، علماً أن الانفصال قد يكون له آثاراً سلبية كبيرة على الأطفال، ويمكن أن تظهر في وقت لاحق.
تضيف غزرني أن المشكلة تتمثّل في أن الكثير من الأسر المغربية لا تملك معلومات وافية عن أدوار مؤسسات الوساطة الأسرية، وقد لا تلجأ إليها إلا بعد تفاقم المشاكل. وتلفت إلى أن بعض الأسر ترفض مبدأ الوساطة، وتفضل العمل وحدها على حل المشاكل.



في هذا السياق، تقول الباحثة في علم الاجتماع، ابتسام العوفير، لـ "العربي الجديد"، إن مؤسسة الوساطة الأسرية ظهرت في المجتمع المغربي بعد اختفاء العائلة الممتدة، وصارت الأسرة الواحدة تقتصر على الزوجين والأبناء. تضيف أنه خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كان الحكماء في الأسرة، على غرار الجد أو الجدة وغيرهما من كبار السن، يتولّون حل النزاعات والخلافات بين الزوجين. كان لهؤلاء سلطة معنوية، عدا عن كونهم يقيمون مع الزوجين في البيت نفسه. هذا الأمر تغيّر كليّاً لأسباب اقتصادية واجتماعية، ولم يعد الزوجان يحتكمان إلى حكماء الأسرة، بل يتوجهان إلى القضاء.
وتسعى مؤسّسات ومراكز الوساطة الأسرية في المغرب إلى توعية الأسر حول مميزات الوساطة والأسس التي تقوم عليها، تفادياً للجوء العائلات والأزواج إلى القضاء لحل مشاكلهم. كذلك، يؤكدون على احترام خصوصية الأزواج والسرية.

وأكثر ما يميّز هذه المؤسّسات هو عامل السرعة، علماً أن حلّ النزاعات تستغرق وقتاً أقل من
القضاء، عدا عن حرية الأزواج بالانسحاب متى يشاؤون، بالإضافة إلى دورها في الإرشاد الأسري والحد من النزاعات التي قد تؤدي إلى الطلاق.
ويطالب خبراء باعتماد برامج للتدريب وتطوير الكفاءات المهنية للمقبلين على الزواج، وإدراج مبدأ الوساطة في مناهج التكوين الجامعي، كونها تتطلب مهارات معينة، وتعميم الوساطة لتشمل مختلف النزاعات الأسرية.