صراع بين ريف الولايات المتحدة ومدنها

04 مارس 2018
أهلاً وسهلاً بكم في كاليفورنيا (Getty)
+ الخط -

يطالب الانفصاليون بأن تمتد "ولايتهم الجديدة" على مساحة نحو 80 في المائة من أرض كاليفورنيا، مع استثناء الخط الساحلي الذي يضمّ المدن الكبرى في الولاية التي تبلغ مساحتها 423 ألفاً و970 كيلومتراً مربعاً.


في بداية عام 2018، أطلق ممثلون عن مناطق ريفية في ولاية كاليفورنيا الأميركية حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بانفصال مناطق ريفية واسعة عن الولاية الكبرى في الولايات المتحدة الأميركية، والإعلان عن قيام ما أطلقوا عليه اسم ولاية "كاليفورنيا الجديدة" التي سوف تكون الولاية الأميركية رقم 51. وأوضح الانفصاليون في بيان لهم أنّهم لا يريدون الانفصال عن الولايات المتحدة وأنّ حركتهم الانفصالية تشبه إلى حد بعيد نموذج انفصال ولاية فرجينيا الغربية (وست فرجينيا) عن ولاية فرجينيا في عام 1861 خلال الحرب الأهلية الأميركية.

من كاليفورنيا إلى فرجينيا وغيرها من ولايات الغرب الأميركي وكذلك الجنوب، تبرز نزعات انفصالية إضافية في ضوء الانقسامات العنصرية والثقافية التي صارت أكثر حدّة مع ولادة "ظاهرة دونالد ترامب"، واقتحامه الحياة السياسية الأميركية ووصوله إلى البيت الأبيض بأصوات اليمين الأميركي وناخبي الأرياف الأميركية البعيدة، خصوصاً في الولايات النائية التي سمحت لترامب في انتخابات عام 2016 بالحصول على مندوبين إلى المجمع الانتخابي أكثر من المندوبين الذين حصلت عليهم مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون. يُذكر أنّ كلينتون تفوّقت على ترامب من خلال التصويت الشعبي بأكثر من مليونَي صوت نالتها من ناخبي المدن الأميركية الكبرى ذات الكثافة السكانية العالية، مثل نيويورك وسان فرانسيسكو ولوس أنجليس.


وقد أظهرت نتائج انتخابات عام 2016 مزيداً من الانقسامات في المجتمع الأميركي. وبالإضافة إلى الانقسامات العنصرية التقليدية بين الأوروبيين البيض الذين يشكلون غالبية سكان الولايات المتحدة الأميركية وبين الأقليات من أصول أفريقية ولاتينية وآسيوية، برزت بحدّة أكبر الانقسامات ذات الطابع الاجتماعي بين سكان المدن وسكان الأرياف. ولهذه الظاهرة جذورها في الانقسام السياسي التقليدي الأميركي بين الحزبَين الرئيسَين، الديمقراطي والجمهوري، إذ يحظى الجمهوريون وخصوصاً المحافظين منهم، بتأييد واسع في البيئات الريفية التي يسيطر عليها ملاك الأراضي من الأميركيين البيض بينما يتمتع الحزب الديمقراطي بشعبية واسعة بين سكان المدن وخصوصاً في الأحياء الفقيرة التي يقطنها الأميركيون السود والمهاجرون من دول أميركا اللاتينية.

بالعودة إلى بيان إعلان استقلال "كاليفورنيا الجديدة" من قبل مجموعة من العنصريين البيض، فقد حرصت المجموعة المؤلفة من ممثلين منتخبين في بلديات المقاطعات الريفية في كاليفورنيا، على التأكيد أنّ الولاية الجديدة التي تسعى إلى الانفصال عن كاليفورنيا لا تريد الاستقلال عن الوطن الأم أميركا، وأنّها تستند في مطالبتها بالانفصال إلى بنود في الدستور الأميركي سبق أن لجأت إليها ولاية فرجينيا الغربية في عملية انفصالها عن فرجينيا قبل نحو مائتي عام.

ولا يخفي الانفصاليون تأييدهم لأجندة الرئيس دونالد ترامب ضدّ المهاجرين، وقد اتّهم بيانهم الحزب الديمقراطي بتحويل الحكم في الولاية إلى حكم استبدادي، في إشارة إلى السيطرة الديمقراطية التاريخية على الولاية التي يشكّل المهاجرون من أميركا اللاتينية نحو 40 في المائة من سكانها البالغ عددهم أربعين مليون نسمة. وجاء في بيانهم أنّه "بعد سنوات من فرض الضرائب المرتفعة والقوانين المعقّدة والأجندة الحزبية الديمقراطية أحادية الجانب، تراجعت الخدمات الأساسية للمواطنين في أقاليم الولاية البالغ عددها 58، بما فيها التعليم والشرطة والبنى التحتية والرعاية الصحية".


بهذا المعنى، تمكن قراءة محاولات أنصار ترامب تقسيم ولاية كاليفورنيا بين مدن وأرياف على أنّه ردّ على تمرّد سلطات الولاية على كل القرارات التنفيذية التي أصدرها الرئيس الحالي منذ وصوله إلى البيت الأبيض. يُذكر أنّ احتجاجات واسعة سُجّلت في مدن عدّة من الولاية يوم التنصيب الرسمي للرئيس، رُفعت خلالها شعارات تشكّك في شرعية انتخاب ترامب وترفض الاعتراف به رئيساً للولايات المتحدة الأميركية.

تجدر الإشارة إلى أنّ النزعة الانفصالية في كاليفورنيا ليست مرتبطة برئاسة ترامب فقط وإن كان لخطابه التحريضي دور في خروج نزعات الانفصال إلى العلن. فقد تحدّت السلطات المحلية في كاليفورنيا قرارات السلطات الفدرالية وأبطلت القرارات التنفيذية التي اتّخذها الرئيس من حظر دخول المسلمين الى الولايات المتحدة وإلغاء برنامج "داكا" الذي ينظّم إقامة نحو مليون من أبناء المهاجرين غير الشرعيين من دول أميركا اللاتينية في الولايات المتحدة الأميركية، إلى إبطال قرار وزير العدل جف سيشنز القاضي بإعطاء الشرطة الفدرالية صلاحية ملاحقة المتهمين بقضايا تتعلق بالماريجوانا حتى في الولايات التي شرّعت تدخينها وزراعتها والاتجار بها. يُذكر أنّ قرار تشريع الماريجوانا قد بدأ العمل به في كاليفورنيا في مطلع العام الجاري.

وترى السلطات الديمقراطية في الولاية أنّ إدارة ترامب تحاول معاقبة كاليفورنيا من خلال اقتطاع المخصصات المالية التي تحصل عليها من السلطات الفدرالية ومن خلال قرار وزارة العدل إلغاء إجراءات كانت قد وضعتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، تمنع الشرطة الفدرالية من ملاحقة قضايا الماريجوانا في الولايات التي شرّعتها. وقد ردّت سلطات كاليفورنيا بإصدار أوامر لقوى الشرطة المحلية بعدم التعاون مع الشرطة الفدرالية، ومنعت سلطات دائرة الهجرة من اعتقال وملاحقة أيّ متهم في قضايا الماريجوانا وترحيل أيّ مهاجر غير شرعي موجود في كاليفورنيا.


وفي مقابل دعوة اليمين الأميركي إلى انفصال المناطق الريفية عن كاليفورنيا الأم وإعلان "كاليفورنيا الجديدة"، ثمّة نزعة يسارية إلى إعلان انفصال كاليفورنيا عن الولايات المتحدة الأميركية. يُذكر أنّه في العام الماضي، انطلقت حملة لإجراء استفتاء حول استقلال كاليفورنيا، ويسعى القائمون على هذه الحملة إلى طرح استفتاء الاستقلال في انتخابات الكونغرس النصفية في نهاية العام الجاري أو خلال انتخابات الرئاسة في عام 2020. وتنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي دعوات لناشطين يساريين تطالب بقيام "جمهورية كاليفورنيا الشعبية الديمقراطية".