أفارقة في الجزائر... أملٌ في حياة كريمة

13 يوليو 2017
في سكن عشوائي (أحمد كمال)
+ الخط -
يزداد تدفق المهاجرين الأفارقة إلى الجزائر للعمل، رغم اعتبارهم تهديداً للأمن القومي في مقابل مطالبة آخرين باستضافتهم. على أيّة حال، يواجه هؤلاء مصاعب كبيرة في السفر، لا تنتهي بوصولهم إلى الجزائر

في منطقة "لاكوت"، عند مدخل مدينة "بئر مراد رايس" وسط العاصمة الجزائرية، يتجمّع يوميّاً عدد من المهاجرين الأفارقة، بعضهم يحمل أدوات البناء، كتلك الخاصة بنزع المسامير وغيرها، أو الأدوات الزراعية. كلّ واحد منهم يُبدي استعداده للعمل، وينتظر توقف سيارات أو شاحنات المقاولين والمزارعين، وحتّى الأفراد الذين لديهم حاجة لإصلاح شيء ما في البيت أو ترميم جدار، لعرض خدماتهم. يرغبون في الفوز بفرصة عمل ويعلنون استعدادهم لذلك. لن يستمرّ التفاوض بين الطرفين طويلاً. في الغالب، يقبل العمال الأفارقة بأي عرض، خصوصاً وأن الجزائريين يتعاطفون مع الأفارقة. ويُشار إلى أن أكثر القطاعات التي يعمل فيها الأفارقة في الجزائر خلال الفترة الأخيرة هو قطاع الزراعة.

الأرض ولقمة العيش
في مزرعة في مدينة "الحطاطبة" في ولاية تيبازة (90 كيلومتراً غرب العاصمة الجزائرية)، استعان محمد بمجموعة من المهاجرين الأفارقة للعمل في مزرعته. يعمل فيها أكثر من 15 مهاجراً أفريقياً، وقد خصّص لهم مسكناً في مزرعته للإقامة فيه.



يقول محمد إنّه اضطر إلى ذلك بسبب رفض الشباب الجزائري العمل في الزراعة. يثني على جهد المهاجرين الأفارقة وانضباطهم في العمل، ورغبتهم في العيش الكريم. يقول: "منذ أن جاؤوا للعمل عندي، لم يسبّبوا لي أية مشاكل. أحاول أن أوفّر لهم مستلزمات العيش الأساسية، وقد خصّصت لهم شقّة كبيرة مع تلفزيون وثلاجة ومطبخ"، لافتاً إلى أنهم مجتهدون في العمل.

هذا الواقع يدفع محمد إلى مطالبة السلطات والحكومة الجزائرية بمنحهم حق العمل بشكل رسمي، وإعطاء المزارعين حق تشغيلهم. يضيف: "يعملون من دون أوراق رسمية. هم يحتاجون إلى العمل للعيش، وهذا أفضل من أن يلجأوا إلى السرقة وغيرها من الأعمال. في المقابل، نحن في حاجة إلى يد عاملة منتظمة، وعادة ما لا يحبّ الجزائريّون العمل في الزراعة. لذلك، ألجأ إلى الأفارقة، وأطالب بمنحهم حق العمل لنستطيع تحسين ظروف عملهم لناحية التأمين الصحي، إضافة إلى التصريح لدى مصالح الضمان الاجتماعي".

كان أدريسا قد قدم برفقة شقيقه من بوركينا فاسو إلى الجزائر، وحصل على عمل في مزرعة محمد. يبدو راضياً بالمقارنة مع أوضاع عدد كبير من المهاجرين الأفارقة في الجزائر. يقول: "وصلت إلى الجزائر قبل نحو ثلاث سنوات عبر الصحراء. لن أحكي قصّتي وأتحدّث عن عذاب السفر، فقد باتت هذه القصص معروفة. هنا، أعمل وشقيقي إضافة إلى 14 أفريقياً آخرين، ونقوم بكلّ ما يتطلّبه العمل في المزرعة. نزرع البرتقال وننظّف المزرعة والحقل من الأعشاب الضارة ونسقيها. لا نواجه مشاكل، باستثناء أنّنا نخشى الخروج كثيراً إلى المدينة، حتى لا ترحلنا الشرطة. نقضي غالبيّة الوقت في المزرعة".

يلجأ عدد من المزارعين، بسبب النقص الكبير في الأيدي العاملة الجزائرية، من جرّاء عزوفهم عن العمل في الزراعة، إلى تشغيل المهاجرين الأفارقة في الحقول والمزارع . كذلك، يلجأ المقاولون في ورشات البناء إلى تشغيل المهاجرين الأفارقة، إضافة إلى شركات الشحن وتفريغ مواد البناء.

في هذا السياق، يقول الإعلامي عبد اللطيف صالحي، الذي تابع ملف المهاجرين الأفارقة لفترة طويلة، إن عدداً كبيراً من المهاجرين ينتقلون من مدن الجنوب إلى مدن الشمال بحثاً عن عمل. وفي مدن الأغواط والشلف والعاصمة وغيرها، تلجأ شركات البناء إلى تشغيل الأفارقة في ورش البناء والأعمال الشاقة، علماً بأنّ بعض هذه الشركات تستغلّ حاجة هؤلاء إلى العمل.



يوضح صالحي أنّ "تشغيلهم يتيح لهم الحصول على بعض المال للعيش. لكن من جهة أخرى، يجب تنظيم عملهم تفادياً لاستغلالهم من قبل بعض المقاولين"، مشيراً إلى أن غالبيّتهم يرسلون الأموال التي يجنونها إلى عائلاتهم في بلدانهم. يضيف: "للأسف، يرسلون الأموال بطريقة تقليدية، من خلال تسليم المبلغ إلى شخص ما يتولى الاتصال بطرف آخر في فرنسا، ليحول المبلغ إلى عائلة المهاجر، على أن يدفع المهاجرون عمولة في مقابل عملية التحويل".

إلى ذلك، يفضّل مهاجرون العمل الحر. البعض اشترى أدوات لإصلاح الأحذية، واتخذ لنفسه مكاناً في الشوارع والأحياء في انتظار الزبائن. وفي العادة، يجتهد الأفارقة في العمل بهدف تأمين لقمة العيش، وحتّى لا يُجبروا على التسول. في هذا السياق، يقول محمدو القادم من مدينة قاو، والذي وضع طاولة أمامه لتصليح الأحذية في حديقة صغيرة في ساحة أول مايو وسط العاصمة الجزائرية: "أكسب من عملي بعض المال، وقد أصبح سكان المنطقة وحتى المارّة يعرفونني. مرّ على وجودي هنا نحو عام من دون أن أتعرّض لأية مشكلة. الجزائريون طيبون ولطفاء".



ومع تزايد الجدال والنقاش في الجزائر حول قضية المهاجرين الأفارقة، الذين يتدفقون بالعشرات إلى البلاد في الفترة الأخيرة، وتواجدهم العشوائي في عدد من المدن، تحدثت السلطات الجزائرية عن مجموعة من التدابير المتعلقة بتنظيم تحركهم، وأعلن رئيس الحكومة عبد المجيد تبون عن إصدار "بطاقة" تحمل أسماءهم، وتسجيلهم إدارياً، لتسهيل رعايتهم من قبل المؤسسات الحكومية والخدماتية.

كذلك، كشف وزير الداخلية الجزائري، نور الدين بدوي، عن قرار منح حق العمل للمهاجرين الأفارقة، بما يسمح للمزارعين والمقاولين والشركات الخاصة بالاستفادة من اليد العاملة، وتسهيل تحملهم أعباءهم الاجتماعية بشكل ذاتي، وتخفيف الأعباء الاجتماعية التي تتكبدها الدولة حيالهم في الوقت نفسه.

لكنْ في الواقع، هناك تناقض صارخ بين تصريحات المسؤولين الجزائريين حيال قضية اللاجئين الأفارقة، إذ اتهم وزير الخارجية الجزائري، عبد القادر مساهل، "شبكات منظمة" بالوقوف وراء تهجير الأفارقة إلى الجزائر، مؤكداً أن هذه الظاهرة أصبحت تهدد الأمن الوطني الجزائري، تزامناً مع تصريحات مستشار الرئاسة أحمد أويحيى الذي دعا إلى تقنين تواجد الأفارقة في الجزائر بهدف تجنيب البلاد الفوضى. تصريحات انتقدتها بشدة منظمة العفو الدولية (فرع الجزائر)، معتبرة أنها "تغذي العنصرية والتمييز" ضد المهاجرين.
المساهمون