وسط ظروف اقتصادية صعبة تُسجّل في أنحاء كثيرة من العالم اليوم، يزداد عدد الأتراك العاطلين من العمل، ويُضاف إليهم السوريون الذين لجأوا إلى البلاد منذ عام 2011، خصوصاً الخرّيجين منهم.
مع ارتفاع نسبة البطالة في تركيا إلى نحو 14 في المائة وهي الأعلى منذ عشرة أعوام، يتساءل سوريون كثر فيها عن كيفيّة انعكاس ذلك عليهم عموماً وعلى أصحاب الشهادات خصوصاً. عبد القادر محمود شاب سوري يتابع دراسته الجامعية في هاتاي (جنوب) يعبّر لـ"العربي الجديد" عن "خشيةٍ من عدم توفّر فرصة عمل بعد تخرّجي من كلية الاقتصاد، لأنّ حاجة المؤسسات التركية تتراجع ونسبة بطالة السوريين الجامعيين هنا مرتفعة، والأمر الذي يضطر كثيرين منهم إلى العمل بمجالات لا تتناسب وتخصّصاتهم". ويشير عبد القادر إلى أنّ "خيار الدراسة بالنسبة إلينا كسوريين في تركيا، مغر لأسباب كثيرة، منها أنّه شبه مجاني والأهم أنّ الجامعيين مرشّحون للحصول على الجنسية بسرعة"، شاكياً من جهة أخرى من "تواضع الأجر الشهري الذي يبدأ من ألفَي ليرة تركية (نحو 350 دولاراً أميركياً) للخرّيجين الجدد، وهو مبلغ لا يتناسب أبداً مع تكاليف الحياة المرتفعة هنا".
تُوافق سعاد التي حصلت أخيراً على الجنسية التركية والتي تستقر في أضنة (جنوب) مع ما قاله عبد القادر، علماً أنّها كانت قد حصلت على الجنسية التركية قبل تخرّجها من كلية العمارة في جامعة أضنة. تقول لـ"العربي الجديد": "عملت في مكتب هندسة في العامَين الأخيرَين وكانت الأمور مقبولة نوعاً ما، لكنّ الركود العقاري في تركيا عموماً وفي أضنة خصوصاً حوّلني إلى عاطلة من العمل. لذا أفكّر اليوم بمتابعة دراستي العليا طالما أنّني لا أنجز شيئاً حالياً".
المعاناة المتعلّقة بتوفّر فرص عمل تنسحب كذلك على الخرّيجين من الجامعات السورية، الذين لجأوا إلى تركيا منذ عام 2011. يخبر أحمد العقدة "العربي الجديد": "أتيت إلى تركيا في عام 2013، ولأنّني إعلامي توفّرت أمامي فرص عمل مختلفة حينها، سواء بالمؤسسات الإعلامية السورية التي كثرت هنا بعد الثورة أو بوسائل إعلامية عربية وتركية تطلب كفاءات سورية ملمّة بتفاصيل الجغرافيا السورية والصراع". يضيف: "لكنّ عام 2015 شهد إغلاق وسائل إعلام عدّة، وبتّ مع زملاء آخرين كثيرين عاطلين من العمل". ويشير العقدة إلى أنّ "المشكلة الكبرى تكمن في أنّ لا حقوق لنا هنا في ما يخصّ العمل، ويكفي أنّ تركيا استقبلتنا. كذلك فإنّ لا جهة سورية قادرة على مساعدة العاطلين من العمل على إيجاد فرصة لتأمين رزقه هنا، ولا جهة سورية أخرى تمتلك داتا (بيانات) عن الخريجين أو التخصّصات أو غير ذلك". ويتابع العقدة: "بالتالي وجدت أنّ الحلّ هو في العودة إلى الدراسة في إسطنبول، بهدف التمكّن من اللغة التركية والحصول على الجنسية، ما يفتح أمامي آفاقاً جديدة".
تفيد بيانات مؤسسات تركية متخصصة في الرصد والتحليل بأنّ عدد الطلاب السوريين في الجامعات التركية بلغ حتى بداية العام الجامعي الجاري 20 ألفاً و701 طالب سوري، على خلفية التسهيلات التي تقدّمها تركيا للسوريين لمتابعة دراستهم الجامعية. وقد استقبلت وزارة التعليم العالي ما بين عام 2011 وعام 2019، أكثر من 15 ألف طالب سوري في مختلف الاختصاصات الأدبية والعلمية، منها الطبية، في كلّ الجامعات التركية الحكومية والخاصة. يُذكر أنّ الجامعات في مدينة إسطنبول وحدها، استقبلت أربعة آلاف و950 طالباً سورياً لشهادات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، أمّا جامعة "غازي عينتاب" فتحتلّ المركز الثاني مع ألفَين و48 طالباً سورياً.
ويقول مدير مؤسسة "عالم إسطنبول" للقبول الجامعي والمنح في تركيا، جهاد العويد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "خيار الدراسة بالنسبة إلى السوريين يتزايد، على الرغم من عدم توفّر وعود بعمل مضمون. لكنّ التسهيلات التي تقدّمها تركيا والتي يُضاف إليها الترشّح الحتمي للحصول على الجنسية، تدفع الشباب السوري إلى الالتحاق بالجامعات التركية". يتابع العويد أنّ "كثيرين من الشباب يسألوننا عن التخصصات الجامعية المطلوبة في سوق العمل التركي، وهو سؤال تصعب الإجابة عليه، ليس لأنّ حاجة سوق العمل متبدّلة باستمرار بل لأنّ الجامعيين الأتراك بأنفسهم يعانون صعوبة في العمل بتخصصاتهم". ويوضح العويد أنّه "لا تتوفّر أرقام دقيقة بشأن أعداد الخريجين السوريين من الجامعات التركية، لكنّها قليلة لأنّ السوريين لم يتوجّهوا بكثرة إلى الجامعات التركية إلا بعد عام 2015 ولم يتخرّج حتى اليوم عملياً سوى ثلاث دفعات".
في سياق متّصل، صدر تقرير حديث عن حزب الشعب الجمهوري أشار إلى أنّ أكثر من ربع خرّيجي الجامعات في تركيا يبحثون عن وظائف، لا سيّما أنّ عدد الطلاب الجامعيين العاطلين من العمل وصل إلى مليون و340 ألفاً هذا العام بعدما كان 97 ألفاً و545 في عام 2004. والتقرير الذي أعاد ارتفاع أرقام البطالة إلى تقلّص فرص العمل والنموّ السكاني وتزايد عدد الخريجين، استند إلى بيانات من وكالة التوظيف التركية ومعهد الإحصاء التركي.
ويشير رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة ابن خلدون في إسطنبول، رجب شان تورك، لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "تركيا اختارت بعد ثمانينيات القرن الماضي أن تفتح باب الدراسة الجامعية أمام الجميع بالتساوي، حتى لو لم تتمكّن من استيعاب كلّ الخريجين، فالأولوية هي لتنمية المجتمع وتعليمه". يضيف: "لكنّ نسبة بطالة الخرّيجين الأتراك ارتفعت، خصوصاً بعد عمليات الخصخصة التي قادها الرئيس الأسبق توركوت أوزال في بداية تسعينيات القرن الماضي، وتراجع الدور الأبوي للدولة التركية وانتشار المنافسة في سوق العمل". ويرى شان تورك أنّه "يتوجّب على الخريجين السوريين في تركيا اليوم، أن يمتلكوا أساسيات سوق العمل من لغة وخبرة واندماج ليتمكّنوا من المنافسة للحصول على عمل في مؤسسة تركية، أو يؤسّسوا عملاً خاصاً. فتركيا تفتح المجال أمام أصحاب المؤسسات الفردية والصغيرة عبر قروض وتسهيلات وإعفاءات".