طريق الدكتوراه الوعر في الجزائر

03 نوفمبر 2017
الطريق ما زال طويلاً (أحمد كمال)
+ الخط -
في الجزائر يلهث آلاف وراء الشهادات العليا، فتصل نسبة كبيرة من الطلاب إلى الماجستير ومن ورائها الدكتوراه. هم يطمحون إلى معانقة حلم الشهادة الذي يأملون منه أن يوفر لهم استقراراً وظيفياً.

تصريحات بعض هؤلاء صادمة أحياناً، خصوصاً من اجتازوا مسابقات وطنية للدخول إلى مرحلة الدكتوراه بعد تأخر لسنوات طويلة. يعتبر هؤلاء أنّ المسار العلمي والبحثي لم يكن سهلاً، فلطالما تعثروا في مرحلة جمع المراجع البحثية، للانطلاق في عملهم الأكاديمي، وهي الخطوة التي تعتبر "شاقة " وتستمر معهم وصولاً إلى إنهاء أبحاثهم وأعمالهم الأكاديمية، ما يتطلب منهم جهداً كبيراً قد يدفعهم إلى الانتقال بين بلد وآخر.

في سبيل الحصول على المراجع البحثية يعاني بعضهم من تشتت ذهني وفكري في رحلة أقل ما يقال فيها إنّها "رحلة مليار ميل تبدأ بفرز المراجع في المكتبات الجامعية، وأغلب ما هو متوفر قديم"، بحسب طالب الدكتوراه في قسم الاقتصاد نسيم سايح. يلفت لـ"العربي الجديد" إلى أنّ موضوعه البحثي المقدم لنيل شهادة الدكتوراه تطلب منه السفر إلى ماليزيا وفرنسا من أجل الحصول على مراجع جديدة، تتناغم مع البحث، لا سيما أنّ اختصاصه محدد بمعايير دولية ويحتاج إلى تحديث مراجعه في ما يتعلق بالبحث.

على الرغم من توفر المراجع على المواقع الإلكترونية فإنّ أغلبها يحتاج إلى جهد إضافي إما لشرائها بالبطاقات المصرفية غير المتوفرة في التعاملات المالية الجزائرية غالباً، أو من خلال البحث المضني عن مواقع تسمح بتحميل بعض الكتب والمراجع مجاناً أو نسخها عبر طرق أخرى كما يشير بعضهم.

كثيرون يبحثون في مكتبات جامعات عربية أخرى أيضاً، ويشاركون في مؤتمرات وندوات في الوقت نفسه، وهو ما يمكّنهم من ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، على حد تعبير أحد الباحثين. وهذه الجامعات غالباً ما تكون في تونس والمغرب ومصر والأردن ولبنان وغيرها من البلدان التي تضع تحفيزات للباحثين لإجراء أبحاثهم واقتناء بعض من الكتب والدراسات كطريقة لإتمام البحث، وهو ما يذكره نورالدين بهاني لـ"العربي الجديد". يحضّر بهاني شهادة دكتوراه في الإعلام الإلكتروني، وهو ما جعله يمضي سنة ونصف السنة في البحث عن مراجع هنا وهناك، إلّا أنّه، وبنصائح ممن سبقوه في المجال وفي البحث العلمي، توجه نحو الخارج للحصول على مراجع جديدة.

يتحدث الطلاب - الباحثون عن مراجع قديمة ما زالت فوق رفوف مكتبات الجامعات الجزائرية، كذلك عن أبحاث ظلّت حبيسة تلك الرفوف وملأها الغبار بعدما جرت مناقشتها أكاديمياً وحصل أصحابها بموجب تلك المناقشة على الشهادة العلمية المستهدفة. هي أبحاث باتت "في خبر كان" كما يقول بعضهم، خصوصاً رسائل وأطروحات العلوم الاجتماعية والإنسانية التي بات كثير منها مكرراً أو غير مفيد لواقع المجتمع الجزائري. وهي مشكلة تدلّ على ضعف التنسيق بين الباحثين في الجامعات وعدم إيجاد آليات لطرق مواضيع تصلح لحلّ أزمات مجتمعية ومشاكل ومعضلات تؤرق الأسرة مثلاً، على حد تعبير أستاذ الأنثروبولوجيا علي درباسي.

يقول لـ"العربي الجديد": "عالم الجامعة وأبحاثها بعيد كلّ البعد عن العالم الواقعي خارج أسوارها، ففي الجامعة بالفعل تنظير وبحث حقلي ونتائج يجري التوصل إليها من خلال الأبحاث، لكن في النهاية كلّ ما يستنتجه الباحث يبقى حبيس الورق والأطروحات". يشير إلى أنّ كثيراً من الأبحاث يحتاج إلى قراءة متأنية من المسؤولين لاستلهام حلول لبعض المشاكل التي تعترض المجتمع والأسرة والمدرسة وحتى المؤسسات الصناعية.

رحلة الدكتوراه مضنية في الجزائر، فقد تستمر ست سنوات وربما أكثر، علماً أنّ كثيراً من الجامعات الخارجية تتيح نيل شهادة الدكتوراه بسنتين لا أكثر. صحيح أنّ هناك "متعة للبحث بهدف إعداد الأطروحة النهائية ومناقشتها لنيل الشهادة" لكن "في القلب غصة"، بحسب ما تقول السيدة مليكة بن لشهب لـ"العربي الجديد"، إذ استغرق عملها في بحث الدكتوراه أكثر من ثماني سنوات، بسبب عدم توفر مختبرات ووسائل بحث في اختصاص البيولوجيا، فاضطرت إلى البقاء في الأردن شهرين على حسابها الخاص. وفي النهاية، تمكنت من إعداد البحث الكامل مع التوصل إلى نتائج مكنتها من وضع الأطروحة بالتزامن مع افتتاح العام الجامعي الجديد 2017 - 2018. تعلق الدكتورة المرتقبة: "في الجزائر ما زال البحث العلمي بعيداً عن الواقع الاجتماعي من جهة، وبعيداً كذلك عن إمكانية توظيف قدرات الباحثين الحائزين على الشهادات في إدارات الدولة من جهة أخرى".
المساهمون