كراهية النظام... لاجئون سوريون ضحية استهزاء عربي في أوروبا

07 مايو 2018
مجتمع محارَب من أبناء وطنه الأصلي (العربي الجديد)
+ الخط -
صحيح أنّ كثراً من السوريين نجوا من الحرب في بلادهم باللجوء إلى دول أوروبية عدة، لكنّ هؤلاء ما زالوا في خطر، إذ تلحق بهم كراهية النظام السوري، المتجسد في مؤيديه من المهاجرين القدامى

"توقعت كل شيء من الألمان، وهذا مفهوم، لكن، لم أتوقع أبداً هذين التنمر والتهجم المقصودَين ضدّ السوريين من قبل عرب لاجئين قبلنا"، هكذا يصف اللاجئ السوري محمد الحوراني (28 سنة) ما يعيشه لاجئون سوريون كثيرون في ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية من معاناة بسبب من يصفونهم بأنّهم مؤيدو النظام السوري.

حديث الحوراني لـ"العربي الجديد" يكرره كثيرون ممن اضطرتهم الحرب لمغادرة بلدهم نحو أوروبا منذ أعوام قليلة. في الدنمارك تقول أم تحسين لـ"العربي الجديد": "صدمتي المزدوجة عقب رحلة شاقة جداً، وبعد فقدي ابني في سجون النظام السورية، كانت في الفرق بين معاملة الدنماركيين لنا، والتعليقات الساخرة لعرب آخرين جاؤوا قبلنا عن لجوئنا، والتي سمعها معي ابني (17سنة)". صدمة أم تحسين "حدثت في متجر عربي، على مرأى ومسمع من الزبائن، لكنْ تدخَّل زبائن آخرون لوقف التهكم ضدنا. قال البعض: أنتم أردتم الحرية والديموقراطية وخرجتم ضد القائد ابن الغالي. لكنّني لم أستوعب بداية، ثم فجأة رأيت عملة سورية معلقة عند زجاج شفاف على الوجه الذي يحمل صورة (الرئيس السوري الراحل) حافظ الأسد، فتركت كلّ شيء وخرجت من المتجر، وبكيت يومها كثيراً". لسوء الحظ، فإنّ تلك التجربة الأولى لسيدة عانت الويلات أدت إلى نتائج سيئة: "أفقدتني الحادثة الثقة في الناس، فصرت أشك بأنّ هؤلاء العرب يكرهوننا أكثر من عنصريي الدنمارك".




مواجهة
هي "ظاهرة في أكثر من مكان وصل إليه السوريون كلاجئين"، بحسب أسعد وصديقه فيصل في السويد: "تهيأنا لاحتمال من يرفضنا من أحزاب متشددة ومتطرفة قومياً، لكنّ صدمتنا كانت في احتفال ثقافي صغير، مع لاجئين عرب جاؤوا قبلنا وهم من المثقفين واليساريين، إذ لم يمر وقت قبل أن نكتشف أنّنا نعيش للأسف بين أناس يشككون وينكرون كلّ شيء، فكنا مضطرين للتجادل في أمور بديهية، عن حقك وحقي كبشر، لكن يبدو أنّ هؤلاء، وبالرغم من مرور سنوات على وجودهم في نعيم الحرية الاسكندنافية، فإنّهم يعتبرون هذه البلاد لا تنفع لنا، والسبب أنّهم يؤيدون الديكتاتور (الرئيس السوري بشار الأسد) الذي تسبب بتهجير شعبنا".

على العكس من أم تحسين التي انسحبت، وباتت تقصد متاجر غير عربية؛ "باكستانية وتركية، بدلاً من الرضوخ للتنمر والتعليقات السخيفة عنا"، راح فيصل وأسعد يخوضان على مدى سنتين جدالاً: "اكتشفنا أنّ هؤلاء لا يتابعون حتى ما ينشره الإعلام السويدي من المآسي في سورية، بل إنّ البعض يحمل جنسية ولا يتحدث لغة أهل البلاد".

ما يجمع عليه عشرات ممن استمعت إليهم "العربي الجديد"، أنّ اللغة المستخدمة في بعض الدول الأوروبية "تستند في معظمها إلى خطاب الاستهزاء بخروج الشعب السوري إلى الشارع مطالباً بالحرية والكرامة والديمقراطية. وهي لغة يستمتع المتنمرون باستخدامها"، بحسب أمجد الآتي إلى الدنمارك من حي الأمين في العاصمة السورية دمشق منذ عام 2015.



لبنانيون
سعاد، من مخيم العائدين في حمص، ومعن من اليرموك في دمشق يقولان: "شاركنا في فعالية فلسطينية وإذ بنا نكتشف حجم الاستهزاء بأسباب اللجوء". تصر سعاد: "تاريخياً، كنت أقرب إلى الجبهة الشعبية (يسار فلسطيني)، لكنّي صدمت بمؤيديهم ممن يقيمون هنا منذ سنوات طويلة وكأنهم لم يستفيدوا بشيء من حرية التفكير والتعبير". تضيف أنّ "تلك التعليقات تضعنا كفلسطينيين- سوريين، وسوريين لاجئين، في مرمى البروباغندا الرسمية لقنوات مؤيدة للنظام السوري، بعيداً من المقدمات والاستنتاجات المنطقية".

التشنج في علاقة السوريين والفلسطينيين- السوريين مع محيطهم الجديد، المقيم قبلهم في أوروبا، أدى في بعض الأحيان إلى "ملاسنات، وتهديد ووعيد من مؤيدي النظام السوري، في ندوات وتحركات ناشطين في ألمانيا"، بحسب ما يذكر محمد الحوراني. يمضي الحوراني شارحاً أنّه "في ألمانيا ينشط أصدقاء ومؤيدون لحزب الله، لبنانيون وفلسطينيون وسوريون، وهؤلاء لا يفوتون فرصة للتحرش بنا، واعتبارنا خونة، ويتوعدون بالانتقام من الأهل، وبالعقاب في حال زيارة سورية أو لبنان مستقبلاً".

تؤكد سعاد أنّ "التهديد والمضايقة بحق الناشطين قائمان ولا يمكن إنكارهما في برلين. هما من الأساليب التي تشبه كثيراً زمن التقارير، لإسكات كلّ صوت يعارض النظام، وللأسف فإنّ الإخوة اللبنانيين من أنصار حزب الله أكثر من يمارسها، وهي حالة يعرفها الجميع".



عزلة
ينشط بين الجاليات السورية (وفلسطينيي سورية) عدد من الأشخاص الذين يحاولون حلّ هذه القضايا "لتجنب التشنجات وتبعات ذلك على الجيل الجديد الذي رأى أهله يهجّرون، فيما هو "يبدو اليوم مجبراً على اتخاذ موقف تحت ضغوط التنمر يشبه مساومة الخارجين من الحصار للهتاف لقاتلهم" على ما تصف الفلسطينية -السورية سعاد الأمر، بينما تشغّل تسجيلاً على هاتفها المحمول لندوة حدث فيها جدال مثير. في تلك الندوة، يحضر دكتور عربي مقيم منذ 30 عاماً ويحمل الجنسية الدنماركية، ويتحدث بدنماركية ركيكة بالنسبة إلى شخص أقام كلّ تلك الفترة ويتمتع بحق التصويت في كل انتخابات هو وأبناؤه. يقول إنّ "المؤامرة على سورية يتحمل مسؤوليتها هؤلاء الذين استقبلتموهم كلاجئين، ويشتركون بمؤامرة أميركية مثلما هي المؤامرة على فنزويلا، وتجب إعادتهم إلى الرقة وإدلب وتركيا". ردود فعل الحاضرين كانت مستهجنة، ومن بينهم صحافيون. وتدخل صحافي في سؤاله الذي وضع حداً للجدال: "كيف يمكنك أن تتمتع بكلّ الحريات هنا وتنكر حق هؤلاء اللاجئين بها؟ وإذا كنت تظن حقاً أنّها مؤامرة غربية وأنّ النظام الذي تدافع عنه أفضل بكثير مما في الغرب، فلماذا أنت مقيم هنا؟".

نقلت "العربي الجديد" شهادات بعض هؤلاء اللاجئين إلى طبيب نفسي دنماركي، مختص بالصدمات والعلاج، طلب عدم ذكر اسمه، فذكر أنّ "تأثير التنمر والسجال بهذا الشكل الموسع، ليس أمراً سهلاً، فإلى جانب الأعباء النفسية الكبيرة لرحلة اللجوء، يعتبر التنمر صادماً حين يصدر عن مجتمع اللجوء، المفترض أنّه أكثر تفهماً وتعاطفاً من المحيط الأوروبي. وهذا يخلق حواجز ويوسع الهوة وينعكس سلباً على الأطفال واليافعين الذين يرون تفهماً من محيط أوروبي ورفضاً وتنمراً من هؤلاء الذين يتحدثون لغة الآباء". بالنسبة إليه، فإنّ "ذلك يساهم أيضاً في عزلة غير محببة، كما أنّ البعض سيكون مضطراً لإظهار مواقف مغايرة لمواقفه الصحيحة تماشياً مع المحيط الذي ينكر حقه وأسباب لجوئه، وهذه قضية يجب أن تنتبه لها السلطات قبل أن تصبح خطيرة ولا يمكن حلّها لاحقاً".



معارض أم مؤيد؟
من جهته، يقول عضو قيادة حزب اليسار- اللائحة الموحدة، في الدنمارك، هانس يورن، لـ"العربي الجديد": "من غير المقبول إطلاقاً أن يدفع هؤلاء ثمن رواية مغلوطة عن الثورة السورية، واضطرار مئات آلاف البشر للمخاطرة في الذهاب إلى أوروبا. وبالرغم من أنّ القوانين تكفل حرية التعبير، إلا أنّه لا يمكن القبول بهذا التنمر والمضايقات التي تصدر عن لاجئين آخرين. تلك مواقف لا تقدم حججاً سياسية، بل ترفض لجوء السوريين، وهذا فيه تغذية لرواية اليمين المتطرف والفاشيين حتى عن أسباب إقامة هؤلاء القدامى في أوروبا".

كذلك، يؤكد الحقوقي والمحامي في قضايا اللجوء في الدنمارك، نيلس ستورسا، لـ"العربي الجديد" أنّ "هذه القضايا لا يجب السكوت عليها، ويمكن رفع شكاوى بحق من يحضر باسم تعرضه للاضطهاد من ديكتاتور، ثم يبدأ بمضايقة لاجئين آخرين ويهددهم لأنّه يؤيد الديكتاتور نفسه، تماماً مثل سفر البعض إلى بلدهم فور الحصول على الإقامة بالرغم من ادعائهم أنّهم مطلوبون وحياتهم في خطر".

بالنسبة إلى الشاب السوري أسعد، فإنّ "ما يؤلم حقاً هو أنّ الأصوات التي تخلق الفجوة معنا، كان بعضها يشكو حتى الأمس القريب ظلم النظام السوري، سواء في لبنان أو العراق، ولا أريد الخوض في قضايا مذهبية أو انتهازية لدى البعض، لكنّك حين تسمع شخصاً يعتبر نفسه مناضلاً ومثقفاً فلسطينياً في السويد يقول عن اللاجئين إنّهم حثالة المجتمعين السوري والفلسطيني ممن خربوا سورية وجاؤوا ليخربوا أوروبا، تصبح أمام شك حقيقي بمقدار ثقافة ونضال هكذا أشخاص".




تعتبر سعاد أنّ "الأمر يحتاج إلى نشاط أكبر من الشباب لتغيير تلك المفاهيم المغلوطة، خصوصاً إذا ما عرفنا أنّ بعض المشوهين لفكرة الحرية والمتهكمين عليها وعلى وجود اللاجئين، لديهم مناصب ومواقع مهمة بحكم وجودهم القديم في هذه الدول، وهم يساهمون في نظرة جد سلبية عن مجتمع اللاجئين الضعيف".

المساهمون