كورونا... لا ثقة

18 مارس 2020
دونالد ترامب كثيراً ما اتهم بالكذب (تايسوس كاتوبوديس/Getty)
+ الخط -
يدخل رجل خمسيني إلى بقالة، في أحد أحياء العاصمة اللبنانية بيروت، كعادته، لشراء السجائر. الشكوى الدائمة لديه في الآونة الأخيرة، وفي كلّ بقالة يدخل إليها، كانت الارتفاع المتواصل في أسعار التبغ، حتى الوطني - الذي لا يفترض به أن يرتفع- تبعاً للأزمة الاقتصادية المترافقة مع أزمة صرف الدولار الأميركي في الأسواق المحلية، وتباين سعر الصرف هذا ما بين المصرف المركزي والصرافين. لكنّ هذه الشكوى لم يتجاوب معها البائع الشاب، الذي كان مشغولاً بمسألة أخرى، إذ يضع الكمامة، ويحمل عبوة سبيرتو.

وبينما يسأله البائع لماذا لا يضع كمامة ولا يتخذ إجراءات الوقاية من وباء كورونا، يجيب الرجل فوراً: دعني بعيداً عن السياسة والسياسيين، لا أثق بما يقولون. وقبل الدخول في جدال طويل، يدفع ثمن مشترياته ويرحل عن الدكان، بينما تختفي دهشة البائع أو حنقه خلف الكمامة الزرقاء، وهو يضع الأوراق المالية في الدرج، ويعيد غسل قفازاته البلاستيكية بالسبيرتو.

ليس الرجل الخمسيني وحده من يتعاطى بهذه الطريقة مع انتشار فيروس كورونا الجديد الذي أعلنت منظمة الصحة العالمية أنّه بات على مستوى انتشاره في وضعية وباء عالمي الطابع، أو جائحة؛ بحسب أدبياتها، فكثيرون يتجاهلون الأزمة الصحية بأكملها، ويتابعون حياتهم المعتادة، بما فيها من عادات صحية خاصة بهم، وقد يكون بعضها غير صحي أساساً. لكنّ هؤلاء، فيما يجدون أنفسهم محاصرين من كلّ الجهات بمن يحاولون أن يغيروا أفكارهم تبعاً لحالة الهلع العالمية من الفيروس والتي تؤازرها التصريحات الرسمية في كلّ بلد من البلدان ومعها وسائل الإعلام التي تتابع بدقة، ولحظة بلحظة، أعداد الإصابات والوفيات، وتعدّ التقارير الغنية بالمعلومات حول الفيروس، وتقدم خبراء يتحدثون عن الوقاية والإجراءات اللازمة لحظة الإصابة، يقتنعون أنّهم ناجون لا محالة وأنّ الأمر لا يعدو كونه مجرد مرض من الأمراض التي تنتشر دائماً ولم تؤدِّ يوماً إلى إصابتهم. ويجادلون أنّهم وإن أصيبوا فهو أمر عادي، طالما أنّ الجميع معرّض.

المشكلة أنّهم يثيرون غضب من هم حولهم وخوفهم؛ أولئك المحتاطين الذين يملكون كلّ الحق في ذلك أيضاً. ويؤكد الفريق المحتاط، ومعهم وسائل الإعلام بلغة هجومية تغيب عنها المهنية أحياناً، أنّ المستخفين يمثلون أكبر خطر عليهم.




هي معضلة معرفية تدخل الأيديولوجيا من بابها العريض، فالمرض حقيقي، والوقاية واجبة، لكنّ كثيراً من المواطنين لا يملكون أدنى ثقة بما يعلنه المسؤولون؛ مهما كانت صفتهم. ليس ذلك مقتصراً على نظام واحد أو دولة واحدة... بل ربما في لحظة وقاية وعزل صحي وابتعاد عن كلّ الشاشات، قد يبحث أحدنا عن مسؤولين لا يكذبون على شعوبهم، وعندها قد يجد نسبة معينة منهم لا تتجاوز نسبة الوفيات بفيروس كورونا الجديد من بين المصابين به.
دلالات
المساهمون