منغصات في رمضان سورية

12 مايو 2020
لكورونا أيضاً قواعده في سورية (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -
لا تشعر عائلات سورية كثيرة بأجواء شهر رمضان التي تربوا عليها، خلال هذا العام، فالمنغصات تزداد يوماً بعد آخر، بدءاً من المعاناة المعيشية اليومية وصولاً إلى مرارة التباعد بين أفراد العائلة الواحدة، بحسب أبو حسام الحوراني. يقول لـ"العربي الجديد": "تغير كلّ شيء في حياتنا، فرمضان كانت له طقوسه الخاصة، التي تختلف عنها في باقي أشهر السنة، ففيه يطيب السهر، وغالباً ما كنا نسهر حتى موعد السحور، نتسامر ونشاهد المسلسلات الدرامية التي تعرض خصيصاً في هذا الشهر".

يتابع: "كانت تلك السهرات مناسبة لكي نجتمع مع الأهل والأصدقاء إما في منزلنا أو منازلهم، حتى الجلسات الرمضانية التي كانت تجمعنا مع الأصدقاء في المقاهي الدمشقية، التي بدورها كذلك تمتلك أجواء خاصة بهذا الشهر، فتقدم مشروبات رمضانية مثل التمر الهندي والعرقسوس، وحتى أكلات مثل الفول النابت والتماري وغيرها". يضيف: "وهناك مقاهٍ كانت تقدم في هذا الشهر شيئاً من التراث الشامي مثل الحكواتي، لكن، هذا العام، أغلقت المقاهي أبوابها، بحسب الإجراءات الوقائية التي اتخذها الفريق الحكومي الخاص بمواجهة فيروس كورونا الجديد، والسهرة في المنزل لا تشبه سهرات رمضان، فحظر التجول بعد الساعة السابعة والنصف مساءً من جراء كورونا، يحول دون أن يزورنا أحد أو نزور أحداً، وبالإضافة إلى ذلك فإنّ تقنين الكهرباء وضعف التيار لا يمنحانا فرصة متابعة كثير من برامج ومسلسلات رمضان".



يبقى لجمعات، أو لمّات، الأهل في رمضان طعم مختلف، لكنّ كثيراً من العائلات حرموا من تلك الجمعات، من جراء ما عاشته خلال السنوات الأخيرة، كحال عائلة أم محمود عوض، التي كانت تعيش في مخيم اليرموك، جنوبي العاصمة دمشق، قبل أن تنزح عن المخيم نهاية عام 2012، من جراء اجتياح القوات النظامية له. تضيف لـ"العربي الجديد": "بعد نزوحنا وخسارتنا كلّ شيء، قرر ابناي أن يسافرا إلى أوروبا، فعشت حينها أياماً طويلة من القلق والخوف حتى وصلا. وابنتي الوحيدة تزوجت شاباً كان مع ابنيّ، وسافرت إليه، وقبل ثلاث سنوات توفي زوجي لأجد نفسي وحيدة". تضيف: "لا أستطيع أن أصف ما هي المشاعر التي تنتابني عندما أجلس على مائدة الإفطار وحيدة، فما ذنبي أن أحرم من أبنائي، وأن أعيش وحيدة، حتى أنّي أصبحت أخشى أن أموت وحيدة، فلا يحضر جنازتي أحد منهم".

تتحدث عن تغير العادات الرمضانية بشكل عام، قائلة: "كنت أشعر في رمضان قبل عام 2011، بمحبة وقرب أكبر بين الناس، وكان يدور صحن السكبة بيننا، وهو تقليد قديم له قيمة بين الناس، حيث كلّ عائلة تسكب في صحن مما تطبخ لوجبة الإفطار وترسله إلى الجيران. ولم تكن العبرة في الطعام بل في تذكر الجار للجار، أما اليوم فمن النادر أن يطرق أحد باب المنزل". وتذكر أنّه "بسبب الإجراءات الخاصة بفيروس كورونا الجديد، لم أعد أتمكن من زيارة بعض الأقارب المتواجدين في ريف دمشق حتى، كما كنا على وعد اللقاء مع أبنائي عند عيد الفطر في لبنان، لكن يبدو أنّ منع السفر سيطول، ما سيحول دون لقائنا". وعلى الرغم من أنّها تتصل بأبنائها يومياً عبر الإنترنت، فذلك لا يشبع شوقها لأن تضمهم بين ذراعيها، خصوصاً أنّ شبكة الإنترنت لا تمكّنها من التواصل جيداً، من جراء تكرار انقطاع الاتصال، وضعف السرعة.

ويبدو أنّ المنغصات هذه لا تكفي السوريين، إذ تثقل كواهلهم أعباء المعيشة اليومية، فقد بات تأمين الحاجات الأساسية اليومية في غاية الصعوبة، من جراء ارتفاع الأسعار، وعدم توفر فرص عمل، بحسب أبو مأمون إسماعيل. يقول: "مائدة الإفطار هذا العام تفتقد كثيرا من الأطباق التي اعتدنا عليها، من جراء ارتفاع الأسعار وعدم توفر المال بيد الأهالي". يتابع: "كان من أساسيات مائدة رمضان اللحوم والخضار والفواكه والحلويات والعصائر، واليوم فإنّ الغالبية العظمى من الناس استغنت عن اللحوم إن كانت حمراء أو بيضاء، بسبب ارتفاع الأسعار، كما استغنت عن الفواكه، فسعر كيلوغرام البرتقال اليوم 800 ليرة (0.66 دولار أميركي) والموز بـ1500 ليرة (1.25 دولار) والفراولة بـ900 ليرة (0.75 دولار) وراتب الموظف وسطياً 50 ألف ليرة (نحو 42 دولاراً)". يلفت إلى أنّ "الوضع الاقتصادي السيئ، يحول دون زيارة الأقارب بعضهم بعضاً، من جراء ارتفاع تكاليف النقل والضيافة، وحتى عدم توفر كثير من الاحتياجات مثل الغاز المنزلي، فحالياً لا تحصل كلّ عائلة إلا على أسطوانة غاز واحدة كلّ 60 يوماً، فيما تحتاج إلى اثنتين على الأقل في هذه المدة. حاولنا أن نجد بدائل خصوصاً عبر سخانات الكهرباء، لكنّ التقنين والانقطاعات المتكررة لا تسمح لنا بالاستفادة منها".



ويمكن تلمّس سوء الواقع المعيشي الذي يعيشه السوريون خلال أيام شهر رمضان، من حديث أبو عبدو القنواتي، إلى "العربي الجديد" وهو صاحب مطعم شعبي لبيع الفول والفلافل والفتة، وهي أكلات شعبية سورية غالباً ما تكون حاضرة في وجبات رمضان. يقول: "نحن في هذه المصلحة (المهنة) نعتبر شهر رمضان موسم عمل أساسياً خلال العام، فغالبية العائلات تعتبر هذه الأكلات الشعبية أساسية، وكانوا في أيام رمضان يتجمعون أمام المحل قبل وقت الإفطار ليأخذوا الفول والفتة، وحتى في رمضان كنا نبيع العرقسوس والتمر الهندي، واليوم تغير الوضع بشكل كبير كأنّنا لسنا في رمضان". يتابع: "الحركة في المحل ضعيفة جداً، واليوم أجهز نحو 30 في المائة من الكمية التي كنت معتاداً على تحضيرها يومياً خلال هذا الشهر الكريم، وهذه حالة عامة يشكو منها كلّ من أعرفهم، حتى بائعو المواد الغذائية وخاصة الخضار، مصدومون بحركة السوق، بل هناك من أغلق محله لأنّ الإنتاج لا يغطي تكاليف العمل، من جراء ارتفاع الأسعار بشكل يومي إذ باتوا يخسرون رأسمالهم".