يموتون بعد تحريرهم

06 فبراير 2015
لم يكن الأسرى المحررون مصابين بمرض قبل اعتقالهم(نور حميدان)
+ الخط -

تترك معتقلات الاحتلال الإسرائيلي وسجونه آثارها على الأسرى الفلسطينيين، حتى بعد تحريرهم، ليبقى كثيرون من بينهم أسرى، لكن لأمراض خطيرة تنتظر الموت.

وفي مستشفى رام الله، لا يجد الأطباء ما يقدمونه للأسير المحرر محمد التاج، كي يخفف من أوجاعه. فحالته الصحية خطيرة، والإمكانيات اللازمة لعلاجه غير متوافرة.

ينتظر التاج إتمام إجراءات السفر إلى ألمانيا، بأمل الحصول على العلاج المنتظر هناك. فهو يعاني من تليّف رئوي أصابه في سجون الاحتلال. وقد أطلق سراحه عام 2013 نظراً لخطورة حالته الصحية وبعد صدور تقارير طبية إسرائيلية تحذر من وفاته داخل السجن.

من جهتها، تشير هيئة شؤون الأسرى الفلسطينية إلى أنّ حكومة اسرائيل لا تفرج عن أيّ أسير مريض إلاّ بعد أن يصل وضعه الصحي إلى درجة صعبة للغاية، ويكون معرضا للموت في أيّة لحظة. وفي السنوات الثلاث الأخيرة، أفرجت إسرائيل عن عدد من الأسرى المرضى بعضهم مات بعد أشهر قليلة، وهم أشرف أبو ذريع، وزهير لبادة، وحسن الترابي، ومحمد العملة، وزكريا عيسى، وسلطان الولي، إذ كانوا يعانون من أمراض خطيرة داخل السجن، وتم الإفراج عنهم بعد أن وصلت أوضاعهم إلى درجة الموت.

وتؤكد الهيئة أنّ كافة الأسرى سواء الذين ماتوا أو الذين ما زالوا يتلقون العلاج، لم يكونوا مصابين بأي مرض قبل اعتقالهم، وأنّ هذه الأمراض الخطيرة قد أصيبوا بها في فترة أسرهم.
الأسير معتصم رداد مثال على هذا الوضع. فهو اليوم مصاب بمرض السرطان داخل السجن. واكتفى قاضي محكمة الإفراج المبكر بالقول في إحدى الجلسات بأنّه "لن يتم الإفراج عنه الإّ بعد أن يصل إلى حد الموت".

كما يخشى الكثير من الأسرى من تكرار السيناريو الذي حدث مع الشهيد زهير لبادة. فعائلته توضح أنه اعتقل لآخر مرة بتاريخ 7 ديسمبر/ كانون الأول 2011، وكان وضعه الصحي صعبا حينها. لكن حالته الصحية تدهورت بشكل كبير ودخل في غيبوبة داخل السجن، مما اضطر سلطات الاحتلال إلى الإفراج عنه في شهر مايو/ أيار 2012، لينقل إلى مستشفى فلسطيني في مدينة نابلس. وبعد خروجه منها بأسبوع واحد توفي.

يروي لبادة في مذكرات شخصية، اطلعت "العربي الجديد" عليها، تفاصيل الفترة التي عاشها في مستشفى سجن الرملة الإسرائيلي. ويصف المستشفى بالمسلخ الذي يفرض على الأسير أن يعيش فيه، ويقطع رحلة من الآلام والعذابات بسبب سياسة الإهمال الطبي.

في المقابل، يرقد الأسير المحرر، عثمان الخليلي (35 عاماً) اليوم وحيدا على فراش المرض في منزله، بنابلس. ويوضح لـ"العربي الجديد" أنّه أصيب قبل اعتقاله برصاصة في عموده الفقري ليمكث في سجون الاحتلال ثلاثة أعوام. كما يؤكد أنّ سلطات الاحتلال أطلقت سراحه مصاباً بالشلل خشية موته في سجونها.

أما الأسير المحرر، عمر عفانة، فيشير إلى أنّ 12 أسيراً هم على حافة الموت الآن في سجن الرملة، وربما يتم إطلاق سراحهم قبل أن يلفظوا أنفاسهم الأخيرة.

ويؤكد عفانة، الذي اصيب بعدة رصاصات في جسده قبل اعتقاله ويعاني من آلام حادة في العمود الفقري، أنّ إسرائيل تضع كافة الأسرى المصابين بأمراض خطيرة في سجن الرملة، الذي يعتبر سجن الموت المتوقع.

ويشير إلى أنّ برنامج علاج الأسرى المرضى غائب عن سجون الاحتلال. وفي حالات الضرورة، يعطى المريض حبوباً مسكنة للألم، ولا يعرض على الطبيب المختص إلاّ في الحالات الصعبة جداً. وفي ما يتعلق بالعمليات الجراحية، فلا تجرى مهما بلغت خطورة المرض، ولا ينقل الأسير إلى غرفة العمليات إلاّ عندما يقر الأطباء بأنه على حافة الموت. وفي كثير من الأحيان، ورغم وصول الأسير لمرحلة خطيرة من المرض، لا تجرى له العملية المطلوبة، بل يطلق سراحه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، فقط ليموت خارج السجن.

الاحتلال يسعى لتجميل صورته

في الوقت الذي توفي فيه عدد من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال نتيجة الأمراض والإصابات، باتت سلطات الاحتلال تفضل إطلاق سراح الأسير قبل وفاته بفترة قصيرة. وذلك بناء على تقارير طبية تقيّم حالة الأسير. ويسعى الاحتلال في ذلك إلى تجميل صورته، وتصوير دولته راعية لحقوق الإنسان. كما يهدف لامتصاص الغضب الفلسطيني الذي يحدث عادة لدى وفاة أي أسير داخل السجون.