نزوح شاق من عفرين

17 مارس 2018
لا مفرّ من النزوح (فرانس برس)
+ الخط -

مأساة جديدة تُسجَّل في سورية مع حركة النزوح الجماعية لعشرات آلاف المدنيين من مدينة عفرين، مخلّفين وراءهم بيوتهم وأرزاقهم، من دون أن يعرفوا ماذا تخبئ لهم الأيام المقبلة. ويأتي ذلك في ظل ظروف إنسانية صعبة، فالرحلة شاقة تتخللها مصاعب كثيرة ومخاطر وابتزاز.

جليل، ستّيني من عفرين، يجهد من أجل إنقاذ أبنائه وبناته وإخراجهم من المدينة. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "مصير أبنائي لطالما مثّل كابوساً لي، لا يفارقني لا في الليل ولا في النهار. فالوضع في عفرين راح يسوء يوماً بعد آخر، والنازحون من القرى كانوا يصلون إلى المدينة بحالة يرثى لها. كنت أعلم أنّ الخطر يقترب منّا، خصوصاً عندما بدأ القصف يطاولها، لكنّني لم أكن أملك تكلفة الخروج. لذا بعت كلّ ما يمكن بيعه، على الرغم من أنّني فعلت ذلك مع خسارة كبيرة. كلّ شيء بيع بنصف قيمته الحقيقية". ويوضح جليل أنّه "بهدف الخروج من عفرين في اتجاه نبل، كان لا بدّ من دفع نحو 600 ألف ليرة سورية (نحو 1160 دولاراً أميركياً) لكل شخص، بالإضافة إلى أجرة الطريق. لذلك كنت في حاجة إلى ثلاثة ملايين ليرة (نحو 5800 دولار)، بالإضافة إلى 500 ألف ليرة (نحو 970 دولاراً) لتدبير الأمور، وهو مبلغ ليس بالسهل تأمينه من قبل أيّ عائلة سورية للوصول إلى حلب".

ويلفت جليل إلى أنّ "الرحلة صوب حلب تأتي في مرحلتَين، الأولى إلى نبل ولها سعرها، والثانية إلى حلب ولها سعر آخر". وهو لا يعلم إن كان سوف يتمكّن من تأمين المبلغ المطلوب لوصول أبنائه وبناته إلى حلب، لذا طلب المساعدة من أقرباء له خارج البلاد. يضيف أنّه بقي مع زوجته في عفرين، "لأنّني لم أتمكّن من تأمين المال الكافي للخروج. كذلك فإنّ عمرنا قد يجعل الخطر أقلّ علينا".


من جهتها، تكبّدت الحاجة أم محمد الستينيّة مشقّة رحلة قاسية جداً برفقة ابنها، من عفرين إلى ريف إدلب. وتخبر "العربي الجديد": "اضطرنا إلى اجتياز مسافة طويلة سيراً على الأقدام، ومررنا في مناطق تشهد اشتباكات وكدنا أن نفقد حياتنا في أكثر من مرّة. كذلك اضطرنا أن نبيت في العراء لأكثر من ليلة". وتعبّر عن خيبة أملها من جرّاء ارتفاع أجور المنازل، "فنحن لم نجد منزلاً بدل إيجاره دون 75 ألف ليرة (نحو 150 دولاراً)، في وقت لم نكن نملك نصف هذا المبلغ في الأساس. وهو ما جعلنا نبقى في العراء، إلى حين حصلنا على خيمة تؤوينا".

إلى ذلك، يخبر أبو عبد الله الخمسيني "العربي الجديد" من عفرين، أنّ "الناس توقّفوا عن العمل هنا، وما كنّا نخزّنه من مواد غذائية أو مال يكاد أن ينفذ، في حين أنّنا لا نتلقّى أيّ نوع من المساعدة من أيّ جهة تقدم أي نوع". يضيف: "سلّمنا أمرنا لله، في وقت لا يكترث لحالنا أحد".

في السياق، يقول الناشط أبو جهاد العفريني لـ"العربي الجديد" إنّ "الأوضاع تزداد سوءاً، والناس يشعرون بالخوف من حصار عفرين مع تقدّم الفصائل، في حين يحاول مقاتلو وحدات حماية الشعب الكردية منع الأهالي من الخروج من المدينة، إلا في مقابل مبالغ مالية كبيرة". ويلفت إلى أنّ "عشرات العائلات تنزح مخلّفة وراءها كلّ شيء، ومنها عائلات تخبر النزوح الثاني أو الثالث لها منذ بدء العمليات العسكرية في عفرين، في حين ما زالت عائلات كثيرة داخل المدينة إذ لا تملك خيار النزوح بسبب سوء أوضاعها المالية".

يضيف العفريني أنّ "مخاوف الناس ازدادت بعدما نُقلت معدات المستشفى الوطني في عفرين إلى بلدة نبل، الأمر الذي يحرم الأهالي من الرعاية الطبية، في وقت يجري إسعاف مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية في نبل". ويتابع أنّ "قرى وبلدات عدّة تعرّضت للتعفيش قبل الانسحاب منها وسيطرت عليها الفصائل المدعومة من تركيا، وسط شائعات تقول إنّ عرباً سوريين يأتون من تركيا ويسكنون فيها".


ويتوقّع العفريني أن "تشهد الأيام القليلة المقبلة نزوح عشرات آلاف المدنيين، خصوصاً في حال تراجع سيطرة القوات الكردية"، مشيراً إلى أنّ "أوضاع النازحين الذين لا يملكون المال سيئة جداً. فلا أماكن تستقبلهم ولا منظمات إنسانية تقدم لهم مساعدات، بل ثمّة من يستغل حاجتهم ليبيعهم المواد الغذائية بأسعار مضاعفة وليرفع بدلات إيجار المنازل إلى نحو 200 و300 دولار أميركي".

ويتابع العفريني أنّ "النزوح أوجد سماسرة مرتبطين بعلاقات جيدة مع وحدات حماية الشعب والأكراد والقوات النظامية، ما يسمح لهم بنقل النازحين من عفرين إلى مدينة حلب. لكنّ ثمّة عائلات لا تستطيع تحمّل تكلفة النقل والإتاوات التي تُطلب على الحواجز في طريقها إلى حلب، لذا فإنّها تستقر في نبل أو إحدى البلدات على الطريق. وكلّما اقتربت من حلب يرتفع المبلغ المتوجب دفعه".